قال تعالى: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [البقرة].
عن البراء بن عازب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وإنه صلى، أو صلاها، صلاة العصر وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أشهد بالله، لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا، لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (143)} [البقرة].
رواه البخاري.
قلت: وذلك في السنة الثانية للهجرة.
وفي رواية عند البخاري: "فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجل، ثم خرج بعد ما صلى، فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر".
قلت: وهذا وهم من الراوي، حيث أنه سمع أن أول صلاة صلّاها النبي صلى الله عليه وسلم قِبَل الكعبة، كانت صلاة العصر، فوهم فظن أن الذين كانوا يصلون العصر، هم أهل قباء.
فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: "بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة".
رواه البخاري ومسلم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس. فنزلت: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر. وقد صلوا ركعة. فنادى: ألا إن القبلة قد حولت. فمالوا كما هم نحو القبلة.
رواه مسلم.
فهذه نصوص صريحة صحيح، على أن الرجل مرّ بالقوم صلاة الصبح، وأن أهل ذاك المسجد هم أهل قباء.
وقوله تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ} أي: أن أهل الكتاب، من يهود المدينة، يعلمون أن النبي لم يستقبل الكعبة، ويدع المسجد الأقصى، إلّا بأمرٍ من الله تعالى له بذلك، ولكنهم أرادوا أن يطعنوا في النبي صلى الله عليه وسلم، وتشكيك الناس في دينهم، فقالوا: {مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} فرد الله تبارك وتعالى عليهم قائلا: {قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (142)} [البقرة].