قال ابن إسحاق: فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبنى مسجدا، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه، فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرغب المسلمين في العمل فيه، فعمل فيه المهاجرون والأنصار، ودأبوا فيه، فقال قائل من المسلمين:
لئن قعدنا والنبي يعمل * لذاك منا العمل المضلِّل.
وارتجز المسلمون وهو يبنونه يقولون:
لا عيش إلا عيش الآخره * اللهم ارحم الأنصار والمهاجره.
فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عيش إلا عيش الآخرة، اللهم ارحم المهاجرين والأنصار.
قال ابن إسحاق: فدخل عمار بن ياسر، وقد أثقلوه باللبن، فقال: يا رسول الله، قتلوني، يحملون علي ما لا يحملون . قالت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفض وفرته بيده، وكان رجلا جعدا، وهو يقول: ويح ابن سمية، ليسوا بالذين يقتلونك، إنما تقتلك الفئة الباغية .
قلت: فكانت الفئة الباغية، معاوية وأصحابه، غفر الله لهم.
قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب، حتى بُني له مسجده ومساكنه، ثم انتقل إلى مساكنه من بيت أبي أيوب، رحمة الله عليه ورضوانه .
قال ابن إسحاق: وهلك في تلك الأشهر أبو أمامة، أسعد بن زرارة، والمسجد يُبنى، أخذته الذبحة أو الشهقة .
قال ابن إسحاق: وحدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن يحيى بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أسعد بن زرارة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: بئس المَيِّت أبو أمامة، ليهود ومنافقي العرب يقولون: لو كان نبيا لم يمت صاحبه، ولا أملك لنفسي ولا لصاحبي من الله شيئا .
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري: أنه لما مات أبو أمامة، أسعد بن زرارة، اجتمعت بنو النجار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو أمامة نقيبهم، فقالوا له: يا رسول الله، إن هذا قد كان منا حيث قد علمت، فاجعل منا رجلا مكانه يُقيم من أمرنا ما كان يقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: أنتم أخوالي، وأنا بما فيكم، وأنا نقيبكم، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخص بها بعضهم دون بعض، فكان من فضل بني النجار الذي يَعُدّون على قومهم، أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبهم .