هجرة النبي (ص) إلى المدينة

قال ابن إسحاق: وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يُؤذن له في الهجرة، ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاحرين إلا من حُبس أو فتن، إلا علي بن أبي طالب، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله عنهما، وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا، فيطمع أبو بكر أن يكونه.

قال ابن إسحاق: ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا دارا، وأصابوا منهم منعة، فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، وعرفوا أنهم قد أجمع لحربهم. فاجتمعوا له في دار الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها - يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين خافوه.

قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم من أصحابنا، عن عبدالله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبير أبي الحجاج، وغيره ممن لا أتهم، عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: لما أجمعوا لذلك، واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، غدوا في اليوم الذي اتعدوا له، وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة، فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل، عليه بتلة، فوقف على باب الدار، فلما رأوه واقفا على بابها، قالوا: من الشيخ ‏‏؟‏‏ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له، فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى أن لا يُعدمكم منه رأيا ونصحا، قالوا: أجل، فادخل، فدخل معهم، وقد اجتمع فيها أشراف قريش، من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب. ومن بني نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم، والحارث بن عامر بن نوفل. ومن بني عبدالدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة. ومن بني أسد بن عبدالعزى: أبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود بن المطلب، وحكيم بن حزام. ومن بني مخزوم: أبو جهل بن هشام. ومن بني سهم: نُبيه ومنبَّه ابنا الحجاج، ومن بني جمح: أمية بن ‏خلف، ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش. فقال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم، فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأيا. قال: فتشاوروا، ثم قال قائل منهم: احبسوه في الحديد، وأغلقوا عليه بابا، ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله، زهيرا والنابغة، ومن مضى منهم، من هذا الموت، حتى يصيبه ما أصابهم. فقال الشيخ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأي. والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم، فينزعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم به، حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا لكم برأي، فانظروا في غيره. فتشاوروا. ثم قال قائل منهم: نخرجه من بين أظهرنا، فننفيه من بلادنا، فإذا أُخرج عنا، فوالله ما نبالي أين ذهب، ولا حيث وقع، إذا غاب عنا وفرغنا منه، فأصلحنا أمرنا وأُلْفَتَنا كما كانت. فقال الشيخ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأي، ألم تروا حُسْن حديثه، وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به، والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب، فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلادكم، فيأخذ أمركم من أيديكم، ثم يفعل بكم ما أراد، دبروا فيه رأيا غير هذا. قال: فقال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد، قالوا: وما هو يا أبا الحكم ‏‏؟‏‏ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه، فنستريح منه. فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا، فرضوا منا بالعَقْل، فعقلناه لهم. قال: فقال الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل، هذا الرأي الذي لا رأي غيره، فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له. فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا تَبِتْ هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. قال: فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام، فيثبون عليه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم، قال لعلي بن أبي طالب: نم على فراشي وتسجّ بِبُردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام.

قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي قال: لما اجتمعوا له، وفيهم أبو جهل بن هشام، فقال وهم على بابه: إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره، كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بُعثتم من بعد موتكم، فجُعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح، ثم بُعثتم من بعد موتكم، ثم جعلت لكم نار تحُرقون فيها. قال: وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ حفنة من تراب في يده، ثم قال: أنا أقول ذلك، أنت أحدهم. وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه، فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هؤلاء الآيات من يس: ‏‏{‏‏‏‏يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)} ‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله: ‏‏{‏‏‏‏فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)}. حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات، ولم يبق منهم رجل إلا و قد وضع على رأسه ترابا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون ها هنا ‏‏؟‏‏ قالوا: محمدا، قال: خيَّبكم الله ‏‏!‏‏ قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا، وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم ‏‏؟‏‏ قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليَّا على الفراش متسجيا بِبُرْد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائما، عليه برده. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي رضي الله عنه عن الفراش، فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا.

قال ابن إسحاق: وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم، وما كانوا أجمعوا له: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)} [الأنفال]‏‏. وقول الله ‏عز وجل: ‏‏{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)} [الطور]‏‏.

قال ابن إسحاق: وأذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عند ذلك في الهجرة. 

قال ابن إسحاق: وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلا ذا مال، فكان حين استأذن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعجل، لعل الله يجد لك صاحبا، قد طمع بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما يعني نفسه، حين قال له ذلك، فابتاع راحلتين، فاحتبسهما في داره، يعلفهما إعدادا لذلك.

قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، إما بكرة، وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، والخروج من مكة من بين ظهري قومه، أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، في ساعة كان لا يأتي فيها. قالت: فلما رآه أبو بكر، قال: ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث. قالت: فلما دخل، تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرج عنّي من عندك، فقال: يا رسول الله، إنما هما ابنتاي، وما ذاك ‏‏؟‏‏ فداك أبي وأمي ‏‏!‏‏ فقال: إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة. قالت: فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، قال: الصحبة. قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ، ثم قال: يا نبي الله، إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا. فاستأجرا عبدالله بن أرقط - رجلا من بني الدئل بن بكر، وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو، وكان مشركا - يدلهما على الطريق، فدفعا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهم لميعادهما.

قال ابن إسحاق: ولم يعلم فيما بلغني، بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد، حين خرج، إلا علي بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق، وآل أبي بكر. أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - أخبره بخروجه، وأمره أن يتخلف بعده بمكة، حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع، التي كانت عنده للناس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده، لما يُعلم من صدقه وأمانته صلى الله عليه وسلم.

قال ابن إسحاق: فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج، أتى أبا بكر بن أبي قحافة، فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته، ثم عمدا إلى غار بثور - جبل بأسفل مكة - فدخلاه، وأمر أبو بكر ابنه عبدالله بن أبي بكر أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر عامر بن فُهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره، ثم يُريحها عليهما، يأتيهما إذا أمسى في الغار. وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يُصلحهما.

قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم، أن الحسن بن أبي الحسن البصري قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا، فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمس الغار، لينظر أفيه سبع أو حية، يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه.

قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثا ومعه أبو بكر، وجعلت قريش فيه حين فقدوه مائة ناقة، لمن يرده عليهم. وكان عبدالله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم، يسمع ما يأتمرون به، وما يقولون في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر. وكان عامر بن فهيرة، مولى أبي بكر رضي الله عنه، يرعى في رُعْيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر، فاحتلبا وذبحا، فإذا عبدالله بن أبي بكر غدا من عندهما إلى مكة، اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفِّي عليه، حتى إذا مضت الثلاث، وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيرَيْهما وبعير له، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بسفرتهما، ونسيت أن تجعل لها عصاما، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة، فإذا ليس لها عصام، فتحلّ نطاقها فتجعله عصاما، ثم علقتها به. فكان يقال لأسماء بنت أبي بكر: ذات النطاق، لذلك.

قال ابن هشام: وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول: ذات النطاقين. وتفسيره: أنها لما أرادت أن تعلق السفرة شقت نطاقها باثنين، فعلقت السفرة بواحد، وانتطقت بالآخر.

قال ابن إسحاق: فلما قرب أبو بكر، رضي الله عنه، الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم له أفضلهما، ثم قال: اركب، فداك أبي وأمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا أركب بعيرا ليس لي، قال: فهي لك يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، قال: لا، ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به ‏‏؟‏‏ قال: كذا وكذا، قال: قد أخذتها به، قال: هي لك يا رسول الله. فركبا وانطلقا وأردف أبو بكر الصديق رضي الله عنه عامر بن فهيرة مولاه خلفه، ليخدمهما في الطريق.

قال ابن إسحاق: فحُدثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر ‏‏؟‏‏ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي ‏‏؟‏‏ قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشا خبيثا، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي.

قال ابن إسحاق: فحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير أن أباه عبادا حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر، قالت: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كله، ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف، فانطلق بها معه. قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه. قالت: قلت: كلا يا أبت ‏‏!‏‏ إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا. قالت: فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده، فقلت: يا أبت، ضع يدك على هذا المال. قالت: فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم. ولا والله ما ترك لنا شيئا، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك.

قال ابن إسحاق: وحدثني الزهري أن عبدالرحمن بن مالك بن جعشم حدثه، عن أبيه، عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم، قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى ‏‏ المدينة، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم. قال: فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا، حتى وقف علينا، فقال: والله لقد رأيت رَكَبَةً ثلاثة مروا علي آنفا، إني لأراهم محمدا وأصحابه، قال: فأومأت إليه بعيني: أن اسكت، ثم قلت: إنما هم بنو فلان، يبتغون ضالة لهم، قال: لعله، ثم سكت. قال: ثم مكثت قليلا، ثم قمت فدخلت بيتي، ثم أمرت بفرسي، فَقِيْد لي إلى بطن الوادي، وأمرت بسلاحي، فأُخرج لي من دبر حجرتي، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها، ثم انطلقت، فلبست لأمتي، ثم أخرجت قداحي، فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره "لا يضره" قال: وكنت أرجو أن أرده على قريش، فآخذ المائة الناقة. قال: فركبت على أثره، فبينما فرسي يشتد بي عثر بي، فسقطت عنه. قال: فقلت: ما هذا ‏‏؟‏‏ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره "لا يضره" قال: فأبيت إلا أن أتبعه. قال: فركبت في أثره، فبينا فرسي يشتد بي، عثر بي، فسقطت عنه. قال: فقلت: ما هذا ‏‏؟‏‏ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره "لا يضره" قال: فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت في أثره. فلما بدا لي القوم ورأيتهم، عثر بي فرسي، فذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه، ثم انتزع يديه من الأرض، وتبعهما دخان كالإعصار. قال: فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد مُنع مني، وأنه ظاهر‏‏.‏‏ قال: فناديت القوم: فقلت: أنا سراقة بن جعشم: انظروني أكلمكم، فوالله لا أريبكم، ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: قل له: وما تبتغي منا ‏‏؟‏‏ قال: فقال ذلك أبو بكر، قال: قلت: تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك. قال: اكتب له يا أبا بكر. قال: فكتب لي كتابا في عظم، أو في رقعة، أو في خزفة، ثم ألقاه إلي، فأخذته، فجعلته في كنانتي، ثم رجعت، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان، حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرغ من حنين والطائف، خرجت ومعي الكتاب لألقاه، فلقيته بالجعرانة. قال: فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار. قال: فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون: إليك إليك، ماذا تريد ‏‏؟‏‏ قال: فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته، والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة. قال: فرفعت يدي بالكتاب، ثم قلت: يا رسول الله، هذا كتابك لي، أنا سراقة بن جعشم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم وفاء وبر، ادنُهْ. قال: فدنوت منه، فأسلمت. ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره، إلا أني قلت: يا رسول الله، الضالة من الإبل تغشى حياضي، وقد ملأتها لإبلي، هل لي من أجر في أن أسقيها ‏‏؟‏‏ قال: نعم، في كل ذات كبد حرّى أجر. قال: ثم رجعت إلى قومي، فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي. 

قال ابن إسحاق: فلما خرج بهما دليلهما عبدالله بن أرقط، سلك بهما أسفل مكة، ثم مضى بهما على الساحل، حتى عارض الطريق أسفل من عسفان، ثم سلك بهما على أسفل أمج، ثم استجاز بهما، حتى عارض بهما الطريق، بعد أن أجاز قديدا، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك، فسلك بهما الخرار، ثم سلك بهما ثنية المرة، ثم سلك بهما لقفا.

قال ابن إسحاق: ثم أجاز بهم مدلجة لِقْف ثم استبطن بهما مدلجة محاج - ويقال: مجاج، فيما قال ابن هشام - ثم سلك بهما مرجح محاج، ثم تبطن بهما مرجح من ذي العضوين - قال ابن هشام: ويقال: العَضَوين - ثم بطن ذي كشر، ثم أخذ بهما على الجداجد، ثم على ‏الأجرد، ثم سلك بهما ذا سلم، من بطن أعداء مدلجة تعهن، ثم على العبابيد.

قال ابن هشام: ثم هبط بهما العرج، وقد أبطأ عليهما بعض ظهرهم، فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم، يقال له: أوس بن حجر، على جمل له - يقال له: ابن الرداء - إلى المدينة، وبعث معه غلاما له، يقال له: مسعود بن هنيدة، ثم خرج بهما دليلهما من العرج، فسلك بهما ثنية العائر، عن يمين ركوبة - ويقال: ثنية الغائر، فيما قال ابن هشام - حتى هبط بهما بطن رئم، ثم قدم بهما قباء، على بني عمرو بن عوف، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين، حين اشتد الضَّحاء، وكادت الشمس تعتدل.

قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عبدالرحمن بن عويمر بن ساعدة، قال: حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، وتوكفنا قدومه، كنا ‏نخرج إذا صلينا الصبح، إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال فإذا لم نجد ظلا دخلنا، وذلك في أيام حارة. حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، جلسنا كما كنا نجلس، حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت، فكان أول من رآه رجل من اليهود، و قد رأى ما كنا نصنع، وأنَّا ننتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا، فصرخ بأعلى صوته: يا بني قِيْلَة، هذا جدكم قد جاء. قال: فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في ظل نخلة، ومعه أبو بكر رضي الله عنه في مثل سنه، وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر، حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام أبو بكر فأظله بردائه، فعرفناه عند ذلك.

قلت: قوله: يا بني قِيْلَة، يريد الأوس والخزرج، وقيلة، أمهم، زوجة أبيهم حارثة، بها يعرفون.

قال ابن إسحاق: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - على كلثوم بن هدم، أخي بني عمرو بن عوف، ثم أحد بني عبيد: ويقال: بل نزل على سعد بن خيثمة. ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن هدم: إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم جلس الناس في بيت سعد بن خيثمة. وذلك أنه كان عزبا لا أهل له، وكان منزل ‏ الأعزاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين، فمن هنالك يقال: نزل على سعد بن خيثمة، وكان يقال لبيت سعد بن خيثمة: بيت الأعزاب. فالله أعلم أي ذلك كان، كلا قد سمعنا. ونزل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على خبيب بن إساف، أحد بني الحارث بن الخزرج بالسنح. ويقول قائل: كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير، أخي بني الحارث بن الخزرج. وأقام علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها، لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل معه على كلثوم بن هدم. فكان علي بن أبي طالب - وإنما كانت إقامته بقباء ليلة أو ليلتين - يقول: كانت بقباء امرأة لا زوج لها، مسلمة. قال: فرأيت إنسانا يأتيها من جوف الليل، فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه. قال: فاستربت بشأنه، فقلت لها: يا أمة الله، من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة، فتخرجين إليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو، وأنت امرأة ‏مسلمة لا زوج لك ‏‏؟‏‏ قالت: هذا سهل بن حنيف بن واهب، قد عرف أني امرأة لا أحد لي، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها، ثم جاءني بها، فقال: احتطبي بهذا، فكان علي رضي الله عنه يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف، حتى هلك عنده بالعراق. قال ابن إسحاق: وحدثني هذا، من حديث علي رضي الله عنه، هند بن سعد بن سهل بن حنيف، رضي الله عنه.

قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء، في بني عمرو بن عوف، يوم الإثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس، وأسس مسجده. ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة. وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك، فالله أعلم أي ذلك كان. فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي، وادي رانُوناء، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة. فأتاه عتبان بن مالك، وعباس بن عبادة بن نضلة، في رجال من بني سالم بن عوف، فقالوا: يا ‏رسول الله. أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة، قالوا: خلوا سبيلها، فإنها مأمورة - لناقته - : فخلوا سبيلها، فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني بياضة، تلقاه زياد بن لبيد، وفروة بن عمرو، في رجال من بني بياضة، فقالوا: يا رسول الله: هلم إلينا، إلى العدد والعدة والمنعة، قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة، فخلوا سبيلها. فانطلقت، حتى إذا مرت بدار بني ساعدة، اعترضه سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، في رجال من بني ساعدة، فقالوا: يا رسول الله، هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة، قال: خلوا سبيلها، فإنها مأمورة، فخلوا سبيلها، فانطلقت، حتى إذا وازنت دار بني الحارث بن الخزرج، اعترضه سعد بن الربيع، وخارجة بن زيد، وعبدالله بن رواحة، في رجال من بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا رسول الله، هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة قال: خلوا سبيلها، فإنها مأمورة، فخلوا سبيلها. فانطلقت، حتى إذا مرت بدار بني عدي بن النجار، وهم أخواله دنيا - أم عبدالمطلب، سلمى بنت عمرو، إحدى نسائهم - اعترضه سليط بن قيس، وأبو سليط، أُسيرة بن أبي خارجة، في رجال من بني عدي بن النجار، فقالوا: يا رسول الله، هلم إلى أخوالك، إلى العدد والعدة والمنعة، قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة، فخلوا سبيلها، فانطلقت. حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار، بركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم، وهو يومئذ مِرْبد لغلامين يتيمين من بني النجار، ثم من بني مالك بن النجار، وهما في حِجر معاذ بن عفراء، سهل وسهيل ابني عمرو. فلما بركت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها لم ينزل، وثبت فسارت غير بعيد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثم التفتت إلى خلفها، فرجعت إلى مبركها أول مرة،‏ فبركت فيه، ثم تحلحلت وزمَّت وألقت بجرانها، فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد رحله، فوضعه في بيته، ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأل عن المربد لمن هو ‏‏؟‏‏ فقال له معاذ بن عفراء: هو يارسول الله لسهل وسهيل ابني عمرو، وهما يتيمان لي، وسأرضيهما منه، فاتخذه مسجدا.

قال ابن إسحاق: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الإثنين، حين اشتد الضحاء، وكادت الشمس تعتدل، لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثلاث وخمسين سنة، وذلك بعد أن بعثه الله عز وجل بثلاث عشرة سنة.

إذنه صلى الله عليه و سلم لمسلمي مكة بالهجرة إلى المدينة

قال ابن إسحاق: فلما أذن الله تعالى له صلى الله عليه وسلم في الحرب، وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة له ولمن اتبعه، وأوى إليهم من المسلمين، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه، ومن معه بمكة من المسلمين، بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها، واللحوق بإخوانهم من الأنصار، وقال: إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها. فخرجوا أرسالا، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة، والهجرة إلى المدينة.

قال ابن إسحاق: فكان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين من قريش، من بني مخزوم: أبو سلمة بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، واسمه: عبدالله، هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة، وكان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أرض الحبشة، فلما آذته قريش وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار، خرج إلى المدينة مهاجرا.

قال ابن إسحاق: فحدثني أبي، إسحاق بن يسار، عن سلمة بن عبدالله بن عمر بن أبي سلمة، عن جدته أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي يقود بي بعيره، فلما رأته رجال بنى المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه، فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه ‏‏؟‏‏ علام نتركك تسير بها في البلاد ‏‏؟‏‏ قالت: فنـزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه. قالت: وغضب عند ذلك بنو عبدالأسد، رهط أبي سلمة، فقالوا: لا والله، لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. قالت: فتجاذبوا بُنيَّ سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبدالأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة. قالت: ففُرِّقَ بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي، حتى أُمسي سنة أو قريبا منها حتى مر بي رجل من بني عمي، أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمنى، فقال لبني المغيرة: ألا تخُرجون هذه المسكينة، فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها ‏‏!‏‏ قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت. قالت: وردَّ بنو عبدالأسد إلي عند ذلك ابني. قالت: فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة. قالت: وما معي أحد من خلق الله. قالت: فقلت: أتبلَّغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، أخا بني عبدالدار، فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية ‏‏؟‏‏ قالت: فقلت: أريد زوجي بالمدينة. قال: أوما معك أحد ‏‏؟‏‏ قالت: فقلت: لا والله، إلا الله وبُنيَّ هذا، قال: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط، أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري، فحط عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى عني إلى شجرة، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح، قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني، وقال: اركبي. فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذه بخطامه، فقاده، حتى ينزل بي. فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء، قال: زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلا - فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعا إلى مكة. قال: فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة.

قال ابن إسحاق: ثم كان أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة: عامر بن ربيعة، حليف بني عدي بن كعب، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم بن عبدالله بن عوف بن عبيد بن عدي بن كعب. ثم عبدالله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، حليف بني أمية بن عبد شمس، احتمل بأهله وبأخيه عبد بن جحش، وهو أبو أحمد - وكان أبو أحمد رجلا ضرير البصر، وكان يطوف مكة، أعلاها وأسفلها، بغير قائد، وكان شاعرا، وكانت عنده الفرعة بنت أبي سفيان بن حرب، وكانت أمه أميمة بنت عبدالمطلب بن هاشم - فغُلِّقت دار بني جحش ‏هجرة.

قال ابن إسحاق: ومنقذ بن نباتة، وسعيد بن رقيش، ومحرز بن نضلة، ويزيد بن رقيش، وقيس بن جابر، وعمرو بن محصن، ومالك بن عمرو، وصفوان بن عمرو، وثقف بن عمرو، وربيعة بن أكثم، والزبير بن عبيد، وتمام بن عبيدة، وسخبرة بن عبيدة، ومحمد بن عبدالله بن جحش. ومن نسائهم: زينب بنت جحش، وأم حبيب بنت جحش، وجذامة بنت جندل، وأم قيس بنت محصن، وأم حبيب بنت ثمامة، وآمنة بنت رقيش، وسخبرة بنت تميم، وحمنة بنت جحش.

قال ابن إسحاق: ثم خرج عمر بن الخطاب، وعياش بن أبي ربيعة المخزومي، حتى قدما المدينة. فحدثني نافع مولى عبدالله بن عمر، عن عبدالله بن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب، قال: اتعدت، لما أردنا الهجرة إلى المدينة، أنا وعياش بن أبي ربيعة، وهشام ‏بن العاصي بن وائل السهمي، التَّناضِبَ من أضاة بني غفار، فوق سَرِف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حُبس فليمض صاحباه. قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحبس عنا هشام، وفُتن فافتتن. فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء، وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة، وكان ابنَ عمهما وأخاهما لأمهما، حتى قدما علينا المدينة، ورسول الله صلى عليه وسلم بمكة، فكلماه وقالا: إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك، ولا تستظل من شمس حتى تراك، فرق لها، فقلت له: يا عياش، إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت، قال: فقال: أبر قسم أمي، ولي هنالك مال فآخذه. قال: فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالا، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما. قال: فأبى علي إلا أن يخرج معهما، فلما أبى إلا ذلك، قال: قلت له: أما إذ قد فعلت ما فعلت، فخذ ناقتي هذه، فإنها ناقة نجيبة ذلول، فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب، فانج عليها. فخرج عليه معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال له أبو جهل: يا ابن أخي، والله لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تُعْقبني على ناقتك هذه ‏‏؟‏‏ قال: بلى. قال: فأناخ، وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه، فأوثقاه وربطاه، ثم دخلا به مكة، وفتناه فافتتن.

قال ابن إسحاق: فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة: أنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهارا موثقا، ثم قالا: يا أهل مكة، هكذا فافعلوا بسفهائكم، كما فعلنا بسفيهنا هذا.

قال ابن اسحاق: ونزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة ومن لحق به من أهله وقومه، وأخوه زيد بن الخطاب، وعمرو وعبدالله ابنا سراقة ابن المعتمر وخنيس بن حذافة السهمي - وكان صهره على ابنته حفصة بنت عمر، فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده - وسعيد بن زيد عمرو بن نفيل، وواقد بن عبدالله التميمي، حليف لهم، وخولي بن أبي خولي، ومالك بن أبي خولي، حليفان لهم.

قال ابن هشام: أبو خولي: من بني عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.

قال ابن إسحاق: وبنو البكير أربعتهم: إياس بن البكير، وعاقل بن البكير، وعامر بن البكير، وخالد بن البكير، وحلفاؤهم من بني سعد بن ليث، على رفاعة بن عبدالمنذر بن زنبر، في بني عمرو بن عوف بقباء، وقد كان منزل عياش بن أبي ربيعة معه عليه حين قدما المدينة. ثم تتابع المهاجرون، فنزل طلحة بن عبيد الله بن عثمان، وصهيب بن سنان، على خبيب بن إساف، أخي بلحارث‏ بن الخزرج بالسُّنْح. ويقال: بل نزل طلحة بن عبيد الله على أسعد بن زرارة، أخي بني النجار.

قال ابن هشام: وذُكر لي عن أبي عثمان النهدي، أنه قال: بلغني أن صهيبا حين أراد الهجرة قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكا حقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك، والله لا يكون ذلك، فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي ‏‏؟‏‏ قالوا: نعم. قال: فإني جعلت لكم مالي. قال: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ربح صهيب، ربح صهيب.

قال ابن إسحاق: ونزل حمزة بن عبدالمطلب، وزيد بن حارثة، وأبو مرثد كنَّاز بن حصن.

قال ابن هشام: ويقال: ابن حصين - وابنه مرثد الغنويان، حليفا حمزة بن عبدالمطلب.

قال ابن إسحاق: وأنسة، وأبو كبشة، موليا رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم، على كلثوم بن هدم، أخي بني عمرو بن عوف بقباء، ويقال: بل نزلوا على سعد بن خيثمة، ويقال: بل نزل حمزة بن عبدالمطلب على أسعد بن زرارة، أخي بني النجار. كل ذلك يقال. ونزل عبيدة بن الحارث بن المطلب، وأخوه الطفيل بن الحارث، والحصين بن الحارث، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، وسويبط بن سعد بن حريملة، أخو بني عبدالدار، وطليب بن عمير، أخو بني عبد بن قصي، وخباب، مولى عتبة بن غزوان، على عبدالله بن سلمة، أخي بَلْعجلان بقباء. ونزل عبدالرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع أخي بلحارث بن الخزرج، في دار بلحارث بن الخزرج. ونزل الزبير بن العوام، وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبدالعزى، على منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بالعصبة، دار بني جحجبى. ونزل مصعب بن عمير بن هاشم، أخو بني عبدالدار على سعد بن معاذ بن النعمان، أخي بني عبدالأشهل، في دار بني عبدالأشهل. ونزل أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسالم مولى أبي حذيفة، وعتبة بن غزوان بن جابر على عباد بن بشر بن وقش أخي بني عبدالأشهل، في دار عبدالأشهل. 

قال ابن هشام: سالم مولى أبي حذيفة سائبة، لِثُبَيتَة بنت يعار بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، سَيَّبَتْه فانقطع إلى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة فتبناه، فقيل: سالم مولى أبي حذيفة. ويقال: كانت ثُبيتة بنت يعار تحت أبي حذيفة بن عتبة، فأعتقت سالما سائبة. فقيل: سالم مولى أبي حذيفة.

ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت بن المنذر، أخي حسان بن ثابت في دار بني النجار، فلذلك كان حسان يحب عثمان ويبكيه حين قتل. وكان يقال: نزل الأعزاب من المهاجرين على سعد بن خيثمة، وذلك أنه كان عزبا، فالله أعلم أي ذلك كان.

إذن الله تعالى للمسلمين بالقتال

قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحلل له الدماء، إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى، والصفح عن الجاهل، وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ونفوهم من بلادهم، فهم من بين مفتون في دينه، ومن بين معذب في أيديهم، ومن بين هارب في البلاد فرارا منهم، منهم من بأرض الحبشة، ومنهم من بالمدينة، وفي كل وجه، فلما عتت قريش على الله عز وجل، وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة، وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلم، وعذبوا ونفوا من عبده ووحَّده وصدق نبيه، واعتصم بدينه، أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم. فكانت أول آية أنزلت في إذنه له في الحرب، وإحلاله له الدماء والقتال، لمن بغى عليهم، فيما بلغني عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء، قول الله تبارك وتعالى: ‏‏‏‏{‏‏أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} [الحج]‏‏. أي: أني إنما أحللت لهم القتال لأنهم ظُلموا، ولم يكن لهم ذنب فيما بينهم وبين الناس، إلا أن يعبدوا الله، وأنهم إذا ظهروا أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجميعن، ثم أنزل الله تبارك وتعالى عليه: {‏‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}‏‏ أي: حتى لا يُفتن مؤمن عن دينه: ‏‏‏‏{‏‏‏‏وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ .. (39)} [الأنفال] أي: حتى يُعبدالله، لا يعبد معه غيره.

بيعة العقبة الثانية

قال ابن إسحاق: حدثني معبد بن كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين، أخو بني سلمة، أن أخاه عبدالله بن كعب، وكان من أعلم الأنصار، حدثه أن أباه كعبا حدثه، وكان كعب ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، قال: خرجنا في حجاج قومنا من المشركين، وقد صلينا وفقهنا، ومعنا البراء بن معرور، سيدنا وكبيرنا. فلما وجهنا لسفرنا، وخرجنا من المدينة، قال البراء لنا: يا هؤلاء، إني قد رأيت رأيا، فوالله ما أدري، أتوافقونني عليه، أم لا؟‏‏ قال: قلنا: وما ذاك؟‏‏ قال: قد رأيت أن لا أدع هذه البَنيِّة مني بظهر، يعني الكعبة، وأن أصلي إليها. قال: فقلنا: والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام، وما نريد أن نخالفه. قال: فقال: إني لمصل إليها. قال: فقلنا له: لكنا لا نفعل. قال: فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام، وصلى إلى الكعبة، حتى قدمنا مكة. قال: وقد كنا عبنا عليه ما صنع، وأبى إلا الإقامة على ذلك. فلما قدمنا مكة قال لي: يا ابن أخي، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نسأله عما صنعت في سفري هذا، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء، لما رأيت من خلافكم إياي فيه. قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا لا نعرفه، ولم نره قبل ذلك، فلقينا رجلا من أهل مكة، فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هل تعرفانه؟‏‏ فقلنا: لا، قال: فهل تعرفان العباس بن عبدالمطلب عمه؟‏‏ قال: قلنا: نعم - قال: و قد كنا نعرف العباس، وكان لا يزال يقدم علينا تاجرا - قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس. قال: فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه، فسلمنا ثم جلسنا إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل ‏‏؟‏‏ قال: نعم، هذا البراء بن معرور، سيد قومه، وهذا كعب بن مالك. قال: فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشاعر ‏‏؟‏‏ قال: نعم. قال: فقال له البراء بن معرور: يا نبي الله، إني خرجت في سفري هذا، وقد هداني الله للإسلام، فرأيت أن لا‏ أجعل هذه البَنِيَّة مني بظهر، فصليت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء، فماذا ترى يا رسول الله ‏‏؟‏‏ قال: قد كنت على قبلة لو صبرت عليها. قال: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى معنا إلى الشام. قال: وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات، وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم.

قال ابن إسحاق: حدثني معبد بن كعب، أن أخاه عبدالله بن كعب حدثه أن أباه كعب بن مالك حدثه، قال كعب: ثم خرجنا إلى الحج، وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشريق. قال: فلما فرغنا من الحج، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، ومعنا عبدالله بن عمرو بن حرام أبو جابر، سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، أخذناه معنا، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلمناه وقلنا له: يا أبا جابر، إنك سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا، ثم دعوناه إلى الإسلام، وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة. قال: فأسلم وشهد معنا العقبة، وكان نقيبا. قال: فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لمعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا، ومعنا امرأتان من نسائنا: نُسيبة بنت كعب، أم عمارة، إحدى نساء بني مازن بن النجار، وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي، إحدى نساء بني سلمة، وهي أم منيع. قال: فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبدالمطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له. فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبدالمطلب، فقال: يا معشر الخزرج - قال: وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار: الخزرج، خزرجها وأوسها -: إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مُسلِموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده. قال: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت. قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغب في الإسلام، ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم. قال: فأخذ البراء بن معرور بيده، ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق نبيا، لنمنعنك مما نمنع منه أُزُرنا، فبايِعْنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب، وأهل الحلقة، ورثناها كابرا عن كابر. قال: فاعترض القول، والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو الهيثم بن التيهان، فقال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالا، وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ‏‏؟‏‏ قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم. قال كعب بن مالك: وقد كان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرجوا إلي منكم اثنى عشر نقيبا، ليكونوا على قومهم بما فيهم. فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس.

قال ابن هشام: من الخزرج - فيما حدثنا زياد ابن عبدالله البكائي، عن محمد بن إسحاق المطلبي -: أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عُدَس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، وعبدالله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، ورافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق بن عبدحارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج، والبراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، وعبدالله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج.

قال ابن هشام: هو غنم بن عوف، أخو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج.

قال ابن إسحاق: وسعد بن عبادة بن دُليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج، والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج - قال ابن هشام: ويقال: ابن خنيس -. ومن الأوس: أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبدالأشهل، وسعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك ابن كعب بن النحَّاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس، ورفاعة بن عبدالمنذر بن زبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس.

قال ابن هشام: وأهل العلم يعدون فيهم أبا الهيثم بن التيهان، ولا يعدون رفاعة.

قال ابن إسحاق: فحدثني عبدالله بن أبي بكر: أن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم قال للنقباء: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء، ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي - يعني المسلمين - قالوا: نعم.

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري، أخو بني سالم بن عوف: يا معشر الخزرج، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ‏‏؟‏‏ قالوا: نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا أسلمتموه، فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأمول، وقتل الأشراف، فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفَّينا بذلك ‏‏؟‏‏ قال: الجنة. قالوا: ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه.

قال ابن إسحاق: فبنو النجار يزعمون أن أبا أمامة، أسعد بن زرارة، كان أول من ضرب على يده، وبنو عبدالأشهل يقولون: بل أبو الهيثم بن التيهان.

قال ابن إسحاق: فأما معبد بن كعب بن مالك فحدثني في حديثه، عن أخيه عبدالله بن كعب، عن أبيه كعب بن مالك، قال: كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور، ثم بايع بعدُ القوم. فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط: يا أهل الجباجب - والجباجب: المنازل - هل لكم في مُذمَّم والصُّباة معه، قد اجتمعوا على حربكم. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أزبّ العقبة، هذا ابن أَزيب - قال ابن هشام: ويقال ابن أُزيب - أتسمع أي عدو الله، أما والله لأفرغنّ لك. قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارفضُّوا إلى رحالكم. قال: فقال له العباس بن عبادة بن نضلة: والله الذي بعثك بالحق: إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا ‏‏؟‏‏ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم. قال: فرجعنا إلى مضاجعنا، فنمنا عليها حتى أصبحنا. قال: فلما أصبحنا غدت علينا جِلَّة قريش، حتى جاءونا في منازلنا، فقالوا: يا معشر الخزرج، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا، وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا، أن تنشب الحرب بيننا وبينهم، منكم. قال: فانبعث مَنْ هناك مِنْ مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء، وما علمناه. قال: وقد صدقوا، لم يعلموه. قال: وبعضنا ينظر إلى بعض. قال: ثم قام القوم، وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، وعليه نعلان له جديدان. قال: فقلت له كلمة - كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا -: يا أبا جابر - يريد عبدالله بن عمرو بن حرام - أما تستيطع أن تتخذ، وأنت سيد من ساداتنا، مثل نعلَيْ هذا الفتى من قريش ‏‏؟‏‏ قال: فسمعها الحارث، فخلعهما من رجليه ثم رمي بهما إلي، وقال: والله لتنتعلنَّهما. قال: يقول أبو جابر: مه، أحفظت والله الفتى، فاردد إليه نعليه. قال: قلت: والله لا أردهما، فأل والله صالح، لئن صدق الفأل لأسلُبنَّه.

قال ابن إسحاق: وحدثني عبدالله بن أبي بكر: أنهم أتوا عبدالله بن أبي بن سلول، فقالوا له مثل ما قال كعب من القول، فقال لهم: و الله إن هذا الأمر جسيم، ما كان قومي ليتفوَّتوا علي بمثل هذا، وما علمته كان. قال: فانصرفوا عنه. قال: ونفر الناس من منى، فتنطَّس القوم الخبر، فوجوده قد كان، وخرجوا في طلب القوم، فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر، والمنذر بن عمرو، أخا بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، وكلاهما كان نقيبا. فأما المنذر فأعجز القوم، وأما سعد فأخذوه، فربطوا يديه إلى عنقه بِنِسْع رحله، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه، ويجذبونه بجُمَّته، وكان ذا شعر كثير. قال سعد: فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قريش، فيهم رجل وضيء أبيض، شعشاع، حلو من الرجال. قال: فقلت في نفسي: إن يك عند أحد من القوم خير، فعند هذا، قال: فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة. قال: فقلت في نفسي: لا والله ما عندهم بعد هذا من خير. قال: فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى لي رجل ممن كان معهم، فقال: ويحك ‏‏!‏‏ أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد ‏‏؟‏‏ قال: قلت: بلى والله، لقد كنت أُجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبدمناف تجارة، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي، وللحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، قال: ويحك ‏‏!‏‏ فاهتف باسم الرجلين، واذكر ما بينك وبينهما. قال: ففعلت، وخرج ذلك الرجل إليهما، فوجدهما في المسجد عند الكعبة، فقال لهما: إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ويهتف بكما، ويذكر أن بينه وبينكما جوارا، قالا: ومن هو ‏‏؟‏‏ قال: سعد بن عبادة، قالا: صدق والله، إن كان ليجير لنا تجارنا، ويمنعهم أن يُظلموا ببلده. قال: فجاءا فخلَّصا سعدا من أيديهم، فانطلق. وكان الذي لكم سعدا، سهيل بن عمرو، أخو بني عامر بن لؤي.

قال ابن هشام: وكان الرجل الذي أوى إليه، أبا البَختري بن هشام.

قال ابن إسحاق: وكانت بيعة الحرب، حين أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال شروطا سوى شرطه عليهم في العقبة الأولى، كانت الأولى على بيعة النساء، وذلك أن الله تعالى لم يكن أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم في الحرب، فلما أذن الله له فيها، وبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الأخيرة على حرب الأحمر والأسود، أخذ لنفسه واشترط على القوم لربه، وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة.

قال ابن إسحاق: فحدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه الوليد، عن جده عبادة بن الصامت، وكان أحد النقباء، قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعه الحرب - وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى على بيعة النساء - على السمع والطاعة، في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم.

قال ابن إسحاق: وهذا تسمية من شهد العقبة، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها من الأوس والخزرج، وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين.

قال ابن إسحاق: شهدها من الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، ثم من بني عبدالأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن الأوس: أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبدالأشهل، نقيب لم يشهد بدرا. وأبو الهيثم بن التيهان، واسمه مالك، شهد بدرا. وسلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعُوراء بن عبدالأشهل، شهد بدرا، ثلاثة نفر. ومن بنى حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس: ظُهير بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة. وأبو بردة بن نيار، واسمه هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذيبان بن هميم بن كامل بن ذهل بن هني بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، حليف لهم، شهد بدرا. ونهُير بن الهيثم، من بني نابي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، ثم من آل السوّاف بن قيس بن عامر بن نابي بن مجدعة بن حارثة. ثلاثة نفر. ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس: سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحَّاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرىء القيس بن مالك بن الأوس، نقيب، شهد بدرا، فقُتل به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا.

قال ابن هشام: ونسبه ابنُ إسحاق في بني عمرو بن عوف، وهو من بني غنم بن السلم، لأنه ربما كانت دعوة الرجل في القوم، ويكون فيهم فيُنسب إليهم.

قال ابن إسحاق: ورفاعة بن عبدالمنذر بن زنبر بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو، نقيب، شهد بدرا. وعبدالله بن جبير بن النعمان بن أمية بن البُـرَك - واسم البرك: امرؤ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس - شهدا بدرا، وقتل يوم أحد شهيدا أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة - ويقال: أمية بن البَـرْك، فيما قال ابن هشام - ومعن بن عدي بن الجد بن العجلان بن حارثة بن ضبيعة، حليف لهم من بلي، شهد بدرا وأحدا والخندق، ومشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها، قتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وعُويم بن ساعدة، شهد بدرا وأحدا والخندق. خمسة نفر. فجميع من شهد العقبة من الأوس أحد عشر رجلا ‏‏.‏ وشهدها من الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، ثم من بني النجار، وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج: أبو أيوب، وهو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار شهد بدرا وأحدا والخندق، والمشاهد كلها، مات بأرض الروم غازيا في زمن معاوية بن أبي سفيان. ومعاذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار، شهد بدرا وأحدا والخندق، والمشاهد كلها، وهو ابن عفراء. وأخوه عوف بن الحارث، شهد بدرا وقتل به شهيدا، وهو لعفراء. وأخوه معوّذ بن الحارث، شهد بدرا وقتل به شهيدا، وهو الذي قتل أبا جهل بن هشام بن المغيرة، وهو لعفراء - ويقال: رفاعة بن الحارث بن سواد، فيما قال ابن هشام - وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار، شهد بدرا وأحدا والخندق، والمشاهد كلها، قتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وأسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، نقيب، مات قبل بدر ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبنى، وهو أبو أمامة. ستة نفر. ومن بني عمرو بن مبذول - ومبذول: عامر بن مالك بن النجار -: سهل بن عتيك بن نعمان بن عمرو بن عتيك بن عمرو، شهد بدرا. رجل. ومن بني عمرو بن مالك بن النجار، وهم بنو حديلة - قال ابن هشام: حديلة: بنت مالك بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج - ‏أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، شهد بدرا. وأبو طلحة، وهو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، شهدا بدرا. رجلان. ومن بني مازن بن النجار، قيس بن أبي صعصعة، واسم أبي صعصعة: عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن، شهد بدرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله على الساقة يومئذ. وعمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن. رجلان. فجميع من شهد العقبة من بني النجار أحد عشر رجلا.

قال ابن هشام: عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء، هذا الذي ذكره ابن إسحاق، إنما هو غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء.

قال ابن إسحاق: ومن بَلْحارث بن الخزرج: سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرىء القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة ابن كعب بن الخزرج بن الحارث، نقيب، شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا. وخارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن امرىء القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث، شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا. وعبدالله بن رواحة بن ثعلبة بن امرىء القيس بن عمرو بن امرىء القيس الأكبر بن مالك الأغر بن ثعلبة ين كعب بن الخزرج بن الحارث، نقيب، شهد بدرا وأحدا والخندق ومشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها، إلا الفتح وما بعده، وقتل يوم مؤتة شهيدا أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وبشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث، أبو النعمان بن بشير، شهد بدرا. وعبدالله بن زيد بن ثعلبة ابن عبدالله بن زيد مناة بن الحارث بن الخزرج، شهد بدرا، وهو الذي أُري النداء للصلاة، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به. وخلاّد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرىء القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج، شهد بدرا وأحدا والخندق، وقتل يوم بني قريظة شهيدا، طُرحت عليه رحى من أُطُم من أطامها فشدخته شدخا شديدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون -: إن له لأجر شهيدين. وعقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أُسيرة بن عُسيرة بن جِدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج، وهو أبو مسعود، وكان أحدث من شهد العقبة سنا، مات في أيام معاوية، لم يشهد بدرا. سبعة نفر. ومن بني بياضة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج: زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي بن أمية بن بياضة، شهد بدرا. وفروة بن عمرو بن وذفة بن عبيد بن عامر بن بياضة، شهد بدرا‏‏.‏‏ وخالد بن قيس بن مالك بن العجلان بن عامر بن بياضة، شهد بدرا. ثلاثة نفر ‏‏.‏ ومن بنى زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج: رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق، نقيب. وذكوان بن عبدقيس بن خلدة بن مخلَّد بن عامر بن زريق، وكان خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معه بمكة وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، فكان يقال له: مهاجري أنصاري، شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا. وعباد بن قيس بن عامر بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق، شهد بدرا. والحارث بن قيس بن خالد بن مخلد بن عامر بن زريق، وهو أبو خالد، شهد بدرا. أربعة نفر. ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، ثم من بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة: البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم، نقيب، وهو الذي تزعم بنو سلمة أنه كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط له، واشترط عليه، ثم توفي قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. وابنه بشر بن البراء بن معرور، شهد بدرا وأحدا والخندق ومات بخيبر من أكلة أكلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الشاة التي سُمّ فيها - وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين سأل بني سلمة: من سيدكم يا بني سلمة ‏‏؟‏‏ فقالوا: الجدُّ بن قيس، على بخله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأي داء أكبر من البخل ‏‏!‏‏ سيد بني سلمة الأبيض الجعد بشر بن البراء بن معرور - وسنان بن صيفي بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد، شهد بدرا، وقتل يوم الخندق شهيدا. والطفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان بن عبيد، شهد بدرا، وقتل يوم الخندق شهيدا. ومعقل بن المنذر بن سرح بن خناس بن سنان بن عبيد، شهدا بدرا. و أخوه يزيد بن المنذر، شهد بدرا. ومسعود بن يزيد بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد. والضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد، شهد ‏بدرا. ويزيد بن حرام بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد. وجُبار بن صخر بن أمية بن خنساء بن سنان بن عبيد، شهد بدرا. والطفيل بن مالك بن خنساء بن سنان بن عبيد، شهد بدرا. أحد عشر رجلا. ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة، ثم من بني كعب بن سواد: كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب. رجل. ومن بني غنم بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة: سليم بن عمرو بن حديدة بن عمرو بن غنم، شهد بدرا. وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم، شهد بدرا. وأخوه يزيد بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم، وهو أبو المنذر، شهد بدرا. وأبو اليسر، واسمه كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم، شهد بدرا. وصيفي بن سواد بن عباد بن عمرو بن غنم. خمسة نفر. ومن بني نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة: ثعلبة بن غنمة بن عدي بن نابي، شهد بدرا، وقتل بالخندق شهيدا. وعمرو بن غنمة بن عدي بن نابي، وعبس بن عامر بن عدي بن نابي، شهد بدرا. وعبدالله بن أُنيس، حليف لهم من قضاعة. وخالد بن عمرو بن عدي بن نابي. خمسة نفر. ومن بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة: عبدالله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام، نقيب، شهد بدرا، وقتل يوم أحد شهيدا، وابنه جابر بن عبدالله. ومعاذ بن عمرو بن الجموح بن يزيد بن حرام، شهد بدرا. وثابت بن الجذع - والجِذع: ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام - شهد بدرا، وقتل بالطائف شهيدا. وعمير بن الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن حرام، شهد بدرا.

قال ابن هشام: عمير بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة.

قال ابن إسحاق: وخَديج بن سلامة بن أوس بن عمرو بن الفرافر، حليف لهم من بلي. ومعاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد بن علي بن أسد، ويقال: أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، وكان في بني سلمة، شهد بدرا، والمشاهد كلها ومات بعمواس، عام الطاعون بالشام، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإنما ادعته بنو سلمة أنه كان أخا سهل بن محمد بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة لأمه. سبعة نفر.

قال ابن هشام: أوس، ابن عباد بن عدي بن كعب بن عمرو بن أُذَن بن سعد.

قال ابن إسحاق: ومن بنى عوف بن الخزرج، ثم من بنى سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج: عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف، نقيب، شهد بدرا والمشاهد كلها.

قال ابن هشام: هو غنم بن عوف، أخو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج.

قال ابن إسحاق: والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف، وكان ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، فأقام معه بها، فكان يقال له: مهاجري أنصاري، وقتل يوم أحد شهيدا. وأبو عبدالرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمّارة، حليف لهم من بني غصينة من بلي. وعمرو بن الحارث بن لبدة بن عمرو بن ثعلبة. أربعة نفر، وهم القواقل. ومن بني سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج، وهم بنو الحُبُلِيّ - قال ابن هشام: الحُبُلِيّ: سالم بن غنم بن عوف، وإنما سُـمِّي ‏‏(‏‏ الحبلي ‏‏)‏‏ لعظم بطنه -: رفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن سالم بن غنم، شهد بدرا، وهو أبو الوليد.

قال ابن هشام: ويقال: رفاعة بن مالك، ومالك، ابن الوليد بن عبدالله بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم.

قال ابن إسحاق: وعقبة بن وهب بن كلَّدة بن الجعد بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عدي بن جشم بن عوف بن بهثة بن عبدالله بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان، حليف لهم، شهد بدرا، وكان ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا من المدينة إلى مكة، فكان يقال له: مهاجري أنصاري. ومن بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج: سعد بن عبادة بن دُليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة، نقيب. والمنذر بن عمرو بن خَنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن جشم بن الخزرج بن ساعدة، نقيب، شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان يقال له: أعنق ليموت. رجلان.

قال ابن هشام: ويقال: المنذر: ابن عمرو بن خنش.

قال ابن إسحاق: فجميع من شهد العقبة من الأوس والخزرج ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان منهم، يزعمون أنهما قد بايعتا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء، إنما كان يأخذ عليهن، فإذا أقررن، قال: اذهبن فقد بايعتكن. ومن بنى مازن بن النجار: نُسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن، وهي أم عمارة، كانت شهدت الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدت معها أختها. وزوجها زيد بن عاصم بن كعب. وابناها: حبيب بن زيد، وعبدالله بن زيد، وابنها حبيب الذي أخذه مسيلمة الكذاب الحنفي، صاحب اليمامة، فجعل يقول له: أتشهد أن محمدا رسول الله ‏‏؟‏‏ فيقول: نعم، فيقول: أفتشهد أني رسول الله ‏‏؟‏‏ فيقول: لا أسمع، فجعل يقطعه عضوا عضوا حتى مات في يده، لا يزيده على ذلك، إذا ذُكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن به وصلى عليه، وإذا ذكر له مسيلمة قال: لا أسمع، فخرجت إلى اليمامة مع المسلمين، فباشرت الحرب بنفسها. حتى قتل الله مسيلمة، ورجعت وبها اثنا عشر جرحا، من بين طعنة وضربة. ‏

قال ابن إسحاق: حدثني هذ الحديث عنها محمد بن يحيى بن حبان، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة. ومن بني سلمة: أم منيع، واسمها: أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي بن عمرو بن غنم بن كعب بن سلمة.