قال محمد بن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين رجع من الحديبية ، ذا الحجة وبعض المحرم ، وولي تلك الحجة المشركون ، ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر .
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة نميلة بن عبدالله الليثي ، ودفع الراية إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكانت بيضاء .
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي الهيثم بن نصر بن دهر الأسلمي، أن أباه حدثه : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع : وهو عم سلمة بن عمرو بن الأكوع ، وكان اسم الأكوع سنان : انزل يا ابن الأكوع ، فخذ لنا من هناتك ، قال : فنزل يرتجز برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال :
والله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
إنا إذا قوم بغوا علينا * وإن أرادوا فتنة أبينا
فأنزلن سكينة علينا * وثبت الأقدام إن لاقينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحمك الله. فقال عمر بن الخطاب : وجبت والله يا رسول الله ، لو أمتعتنا به ! فقتل يوم خيبر شهيداً ، وكان قتله ، فيما بلغني أن سيفه رجع عليه وهو يقاتل ، فكلمه كلماً شديداً ، فمات منه ؛ فكان المسلمون قد شكّوا فيه ، وقالوا : إنما قتله سلاحه حتى سأل ابن أخيه سلمة بن عمرو بن الأكوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وأخبره بقول الناس ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لشهيد وصلى عليه، فصلى عليه المسلمون .
قال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم ، عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي ، عن أبيه ، عن أبي معتب بن عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه ، وأنا فيهم : قفوا ، ثم قال : اللهم رب السماوات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أظللن ، ورب الرياح وما أذرين ، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شر أهلها وشر ما فيها ، أقدموا بسم الله. قال : وكان يقولها عليه السلام لكل قرية دخلها .
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح ، فإن سمع أذاناً أمسك ، وإن لم يسمع أذاناً أغار، فنزلنا خيبر ليلاً ، فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أصبح لم يسمع أذاناً، فركب وركبنا معه ، فركبت خلف أبي طلحة ، وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستقبلنا عُمّال خيبر غادين ، قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم ، فلما رأوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم والجيش ، قالوا : محمد والخميس معه ! فأدبروا هُرَّاباً ، فقال رسول الله صلى الله ليه وسلم : الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين .
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عصر ، فبنى له فيها مسجد ، ثم على الصهباء ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ، حتى نزل بواد يقال له الرجيع ، فنزل بينهم وبين غطفان ، ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا له ، ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه ، حتى إذا ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أمولاهم وأهليهم حساً ، ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم ، فرجعوا على أعقابهم ، فأقاموا في أهليهم وأموالهم ، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر . وتدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال يأخذها مالاً مالا ، ويفتتحها حصناً حصنا ، فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم ، وعنده قتل محمود بن مسلمة ، ألقيت عليه منه رحا فقتلته ، ثم القموص ، حصن بني أبي الحقيق، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا ، منهن صفية بنت حيي بن أخطب ، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وبِنْتيّ عم لها ؛ فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه، وكان دحية بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية ، فلما أصفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها ، وفشت السبايا من خيبر في المسلمين، وأكل المسلمون لحوم الحمر الأهلية من حمرها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى الناس عن أمور سماها لهم .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن عمرو بن ضمرة الفزاري عن عبدالله بن أبي سليط ، عن أبيه ، قال : أتانا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية ، والقدور تفور بها ، فكفأناها على وجوهها .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن مكحول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم يومئذ عن أربع : إتيان الحبالى من السبايا ، وعن أكل الحمار الأهلي ، وعن أكل كل ذي ناب من السباع ، وعن بيع المغانم حتى تقسم .
قال ابن إسحاق : وحدثني سلام بن كركرة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، ولم يشهد جابر خيير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى الناس عن أكل لحوم الحمر وأذن لهم في أكل لحوم الخيل .
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي مرزوق مولى تجيب ، عن حنش الصنعاني ، قال : غزونا مع رويفع بن ثابت الأنصاري المغرب ، فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها : جربة ، فقام فينا خطيباً ، فقال : يا أيها الناس ، إني لا أقول فيكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فينا يوم خيبر ، قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يحل لأمرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماؤه زرع غيره ، يعني : إتيان الحبالى من السبايا ، ولا يحل لأمرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتى يستبرئها ولا يحل لأمرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم ، ولا يحل لأمرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه ، ولا يحل لأمرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه .
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن عبدالله بن قسيط ، أنه حدث عن عبادة بن الصامت قال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العين وتبر الفضة بالورق العين ؛ وقال : ابتاعوا تبر الذهب بالورق العين ، وتبر الفضة بالذهب العين .
قال ابن إسحاق : ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدنى الحصون والأموال، فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدثه بعض أسلم : أن بني سهم من أسلم، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : والله يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء ؛ فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً يعطيهم إياه . فقال : اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة ، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه ، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء ، وأكثرها طعاماً وودكاً ، فغدا الناس ، ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاماً وودكاً منه .
قال ابن إسحاق : ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح ، وحاز من الأموال ما حاز ، انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم ، وكان آخر حصون أهل خيبر افتتاحاً ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة .
قال ابن هشام :وكان شعار أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : يا منصور أمت أمت .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن سهل بن عبدالرحمن بن سهل ، أخو بني حارثة ، عن جابر بن عبدالله ، قال : خرج مرحب اليهودي من حصنهم ، قد جمع سلاحه ، وهو يقول : من يبارز ؟ فأجابه كعب بن مالك.
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن سهل ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا ؟ قال محمد بن مسلمة : أنا له يا رسول الله ، أنا والله الموتور الثائر ، قتل أخي بالأمس ؛ فقال : فقم إليه ، اللهم أعنه عليه . قال : فلما دنا أحدهما من صاحبه ، دخلت بينهما شجرة عمرية من شجر العشر ، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه ، كلما لاذ بها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها ، حتى برز كل واحد منها لصاحبه ، وصارت بينهما كالرجل القائم ، ما فيها فنن ، ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة ، فضربه ، فاتقاه بالدرقة ، فوقع سيفه فيها ، فعضت به فأمسكته ، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله .
قال ابن إسحاق : ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر ، وهو يقول : من يبارز ؟ فزعم هشام بن عروة، أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر ، فقالت أمه صفية بنت عبدالمطلب : يقتل ابني يا رسول الله ! قال : بل ابنك يقتله إن شاء الله . فخرج الزبير فالتقيا ، فقتله الزبير .
قال ابن إسحاق : فحدثني هشام بن عروة : أن الزبير كان إذا قيل له : والله إن كان سيفك يومئذ لصارماً عضباً ، قال : والله ما كان صارماً ، ولكني أكرهته .
قال ابن إسحاق : وحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي ، عن أبيه سفيان ، عن سلمة بن عمرو بن الأكوع ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه برايته - وكانت بيضاء ، فيما قال ابن هشام - إلى بعض حصون خيبر ، فقاتل ، فرجع ولم يك فتح ، وقد جهد ؛ ثم بعث الغد عمر بن الخطاب ، فقاتل ، ثم رجع ولم يك فتح ، وقد جهد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، ليس بفرار . قال : يقول سلمة : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضوان الله عليه ، وهو أرمد ، فتفل في عينه ، ثم قال : خذ هذه الراية ، فامض بها حتى يفتح الله عليك . قال : يقول سلمة : فخرج والله بها يأنح ، يهرول هرولة ، وإنا لخلفه نتبع أثره ، حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن ، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن ، فقال : من أنت ؟ قال: أنا علي بن أبي طالب . قال : يقول اليهودي : علوتم وما أنزل على موسى ، أو كما قال . قال : فما رجع حتى فتح الله على يديه .
قال ابن إسحاق : وحدثني بريدة بن سفيان الأسلمي ، عن بعض رجال بني سلمة عن أبي اليسر كعب بن عمرو ، قال : والله إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات عشية ، إذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنهم ، ونحن محاصروهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رجل يطعمنا من هذا الغنم ؟ قال أبو اليسر : فقلت : أنا يا رسول الله ؛ قال : فافعل ؛ قال : فخرجت أشتد مثل الظليم ، فلما نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم مولياً قال : اللهم أمتعنا به . قال : فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحصن ، فأخذت شاتين من أخراها ، فاحتضنتهما تحت يدي ، ثم أقبلت بهما أشتد ، كأنه ليس معي شيء ، حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذبحوهما فأكلوهما . فكان أبو اليسر من أخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلاكاً . فكان إذا حدث هذا الحديث بكى ، ثم قال : أمتعوا بي ، لعمري ، حتى كنت من أخرهم هلكاً .
قال ابن إسحاق : ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم القموص ، حصن بني أبي الحقيق ، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن أخطب ، وبأخرى معها ، فمر بهما على قتلى من قتلى يهود ، فلما رأتهم التي مع صفية صاحت ، وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها . فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اعزبوا عني هذه الشيطانة ، وأمر بصفية فحيزت خلفه ، وألقى عليها رداءه ؛ فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال ، فيما بلغني ، حين رأى بتلك اليهودية ما رأى ، أنزعت منك الرحمة يا بلال ، حين تمر بامرأتين علي قتلى رجالهما ؟ وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع ابن أبي الحقيق ، أن قمراً وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها ، فقال : ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمداً ، فلطم وجهها لطمة خضر عينها منها . فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه ، فسألها ما هو ؟ فأخبرته هذا الخبر .
وعن أنس بن مالك، قال: صلى النبي ﷺ الصبح قريبا من خيبر بغلس، ثم قال: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين. فخرجوا يسعون في السكك، فقتل النبي ﷺ المقاتلة، وسبى الذرية، وكان في السبي صفية، فصارت إلى دحية الكلبي، ثم صارت إلى النبي ﷺ، فجعل عتقها صداقها.
قال ابن إسحاق: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع ، وكان عنده كنز بني النضير ، فسأله عنه ، فجحد أن يكون يعرف مكانه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من يهود ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة : أرأيت إن وجدناه عندك ، أأقتلك ؟ قال : نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت ، فأخرج منها بعض كنزهم ، ثم سأله عما بقي ، فأبى أن يؤديه . فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام ، فقال : عذبه حتى تستأصل ما عنده ، فكان الزبير يقدح بزندٍ في صدره ، حتى أشرف على نفسه ، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة ، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة . وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم ، حتى إذا أيقنوا بالهلكة ، سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ، ففعل . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموال كلها : الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم ، إلا ما كان من ذينك الحصنين . فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم ، وأن يحقن دماءهم ، ويخلوا له الأموال ، ففعل . وكان فيمن مشى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود ، أخو بني حارثة ، فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف ، وقالوا : نحن أعلم بها منكم ، وأعمر لها . فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف ، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم ؛ فصالحه أهل فدك على مثل ذلك ، فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين ، وكانت فدك خالصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب . فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث ، امرأة سلام بن مشكم ، شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها : الذراع ؛ فأكثرت فيها من السم ، ثم سمت سائر الشاة ، ثم جاءت بها ؛ فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تناول الذراع ، فلاك منها مضغة ، فلم يسغها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأما بشر فأساغها . وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ، ثم قال : إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ، فاعترفت ؛ فقال : ما حملك على ذلك ؟ قالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلت : إن كان ملكاً استرحت منه ، وإن كان نبياً فسيخبر ، قال : فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ومات بشر من أكلته التي أكل .
قال ابن إسحاق : وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في مرضه الذي توفي فيه ، ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده : يا أم بشر ، إن هذا الأوان وجدت فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر . قال : فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة .
قال ابن إسحاق : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف إلى وادي القرى ، فحاصر أهله ليالي ، ثم انصرف راجعا إلى المدينة .
قال ابن إسحاق : فحدثني ثور بن يزيد ، عن سالم ، مولى عبدالله بن مطيع ، عن أبي هريرة ، قال : فلما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادي القرى نزلنا بها أصيلا مع مغرب الشمس ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام له ، أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي ، ثم الضبيبي . قال : فوالله إنه ليضع رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه سهم غرب فأصابه فقتله ؛ فقلنا : هنيئاً له الجنة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا ، والذي نفس محمد بيده ، إن شملته الآن لتحترق عليه في النار ، كان غلّها من فيء المسلمين يوم خيبر . قال : فسمعها رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه فقال : يا رسول الله ، أصبت شراكين لنعلين لي ؛ قال : فقال : يُقدّ لك مثلهما من النار .
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن عبدالله بن مغفل المزني ، قال : أصبت من فئ خيبر جراب شحم ، فاحتملته على عاتقي إلى رحلي وأصحابي . قال : فلقيني صاحب المغانم الذي جعل عليها ، فأخذ بناحيته وقال : هلم هذا تقسمه بين المسلمين ؛ قال : قلت : لا والله لا أعطيكه ؛ قال : فجعل يجاذبني الجراب . قال : فرآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصنع ذلك . قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً ، ثم قال لصاحب المغانم : لا أبا لك ، خل بينه وبينه . قال : فأرسله ، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي فأكلناه .
قال ابن إسحاق : ولما أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية ، بخيبر أو ببعض الطريق ، وكانت التي جملتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومشطتها وأصلحت من أمرها أم سليم بنت ملحان ، أم أنس بن مالك . فبات بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له ، وبات أبو أيوب خالد بن زيد ، أخو بني النجار متوشحاً سيفه ، يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويطيف بالقبة ، حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رأى مكانه قال : ما لك يا أبا أيوب ؟ قال : يا رسول الله ، خفت عليك من هذه المرأة ، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها ، وكانت حديثة عهد بكفر ، فخفتها عليك ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني .
قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، قال : لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ، فكان ببعض الطريق ، قال : من آخر الليل : من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام ؟ قال بلال : أنا يا رسول الله أحفظه عليك . فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل الناس فناموا ، وقام بلال يصلي ، فصلى ما شاء الله عز وجل أن يصلي . ثم استند إلى بعيره ، واستقبل الفجر يرمقه ، فغلبته عينه ، فنام فلم يوقظهم إلا مس الشمس ؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول أصحابه هبَّ ، فقال : ماذا صنعت بنا يا بلال ؟ قال : يا رسول الله ، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ؛ قال : صدقت ؛ ثم اقتاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيره غير كثير ، ثم أناخ فتوضأ ، وتوضأ الناس ثم أمر بلالاً فأقام الصلاة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ؛ فلما سلَّم أقبل على الناس فقال : إذ نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها ، فإن الله تبارك وتعالى يقول : {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} [طه].
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني ، قد أعطى ابن لقيم العبسي ، حين افتتح خيبر ، ما بها من دجاجة أو داجن وكان فتح خيبر في صفر.
قال ابن إسحاق : وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء من نساء المسلمين ، فرضخ لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء ، ولم يضرب لهن بسهم .
قال ابن إسحاق : حدثني سليمان بن سحيم ، عن أمية بن أبي الصلت ، عن امرأة من بني غفار ، قد سماها لي ، قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني غفار ، فقلن : يا رسول الله ، قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا ، وهو يسير إلى خيبر ، فنداوي الجرحى ، ونعين المسلمين بما استطعنا ؛ فقال : على بركة الله . قالت : فخرجنا معه ، وكنت جارية حدثه ، فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله . قالت : فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وأناخ ، ونزلت عن حقيبة رحله ، وإذا بها دم مني ، وكانت أول حيضة حضتها . قالت : فتقبضت إلى الناقة واستحييت ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم ، قال : ما لك ؟ لعلك نفست ؛ قالت : قلت : نعم ؛ قال : فأصلحي من نفسك ، ثم خذي إناء من ماء ، فاطرحي فيه ملحاً ثم اغسلي به ما أصاب الحقيبة من الدم ، ثم عودي لمركبك . قالت : فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، رضخ لنا من الفيء ، وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها ، وعلقها بيده في عنقي ، فوالله لا تفارقني أبداً . قالت : فكانت في عنقها حتى ماتت ، ثم أوصت أن تدفن معها . قالت : وكانت لا تطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحاً ، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت .
قال ابن إسحاق : وكان من حديث الأسود الراعي ، فيما بلغني أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر ، ومعه غنم له ، كان فيها أجيراً لرجل من يهود . فقال : يا رسول الله ، أعرض علي الإسلام فعرضه عليه ، فأسلم - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحداً أن يدعوه إلى الإسلام ، ويعرضه عليه - فلما أسلم قال : يا رسول الله ، إني كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم ، وهي أمانة عندي ، فكيف أصنع بها ؟ قال : اضرب في وجوهها فإنها سترجع إلى ربها - أو كما قال - فقال الأسود ، فأخذ حفنة من الحصى ، فرمى بها في وجوهها ، وقال : ارجعي إلى صاحبك ، فوالله لا أصحبك أبداً ، فخرجت مجتمعة ، كأن سائقاً يسوقها ، حتى دخلت الحصن ، ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين ، فأصابه حجر فقتله ، وما صلى لله صلاة قط . فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع خلفه ، وسجي بشملة كانت عليه ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه نفر من أصحابه ، ثم أعرض عنه ، فقالوا : يا رسول الله ، لم أعرضت عنه ؟ قال : إن معه الآن زوجتيه من الحور العين .
قال ابن إسحاق : وأخبرني عبدالله بن أبي نجيح أنه ذكر له : أن الشهيد إذا ما أصيب تدلت له زوجتاه من الحور العين ، عليه تنفضان التراب عن وجهه ، وتقولان : تَرَّب الله وجه من تربك ، وقتل من قتلك .
قال ابن إسحاق : ولما فتحت خيبر ، كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحجاج بن علاط السلمي ثم البهزي ، فقال : يا رسول الله ، إن لي بمكة مالاً عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة - وكانت عنده ، له منها معرض بن الحجاج ومال متفرق في تجار أهل مكة ، فأذن لي يا رسول الله ؛ فأذن له ، قال : إنه لا بد لي يا رسول الله من أن أقول ؛ قال : قل . قال الحجاج : فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثَنِيَّة البيضاء رجالاً من قريش يتسمعون الأخبار ، ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد بلغهم أنه قد سار إلى خيبر ، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز ، ريفا ومنعة ورجالاً ، فهم يتحسسون الأخبار ، ويسألون الركبان ، فلما رأوني قالوا : الحجاج بن علاط - قال : ولم يكونوا علموا بإسلامي عنده والله الخبر - أخبرنا يا أبا محمد ، فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر ، وهي بلد يهود وريف الحجاز . قال : قلت : قد بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسركم ؛ قال : فالتبطوا بجنبي ناقتي يقولون : إيه يا حجاج ؛ قال : قلت : هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ، وقتل أصحابه قتلاً لم تسمعوا بمثله قط ، وأسر محمد أسراً ، وقالوا : لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة ، فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم . قال : فقاموا وصاحوا بمكة ، وقالوا : قد جاءكم الخبر ، وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم ، فيقتل بين أظهركم . قال : قلت : أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي ، فإني أريد أن أقدم خيبر ، فأصيب من فُلِّ محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك .
قال ابن إسحاق : قال : فقاموا فجمعوا لي مالي كأحث جمع سمعت به . قال : وجئت صاحبتي فقلت : مالي ، وقد كان لي عندها مال موضوع ، لعلي ألحق بخيبر ، فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني التجار . قال : فلما سمع العباس بن عبدالمطلب الخبر ، وجاءه عني ، أقبل حتى وقف إلى جنبي وأنا في خيمة من خيام التجار ، فقال : يا حجاج ، ما هذا الخبر الذي جئت به ؟ قال : فقلت : وهل عندك حفظ لما وضعت عندك ؟ قال : نعم قال : قلت : فاستأخر عني حتى ألقاك على خلاء ، فأني في جمع مالي كما ترى ، فانصرف عني حتى أفرغ . قال : حتى إذا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة ، وأجمعت الخروج ، لقيت العباس ، فقلت : احفظ علي حديثي يا أبا الفضل ، فإني أخشى الطلب ثلاثاً ، ثم قل ما شئت ، قال : افعل . قلت : فإني والله لقد تركت ابن أخيك عروساً على بنت ملكهم ، يعني : صفية بنت حيي ، ولقد افتتح خيبر ، وانتثل ما فيها ، وصارت له ولأصحابه ؛ فقال : ما تقول يا حجاج ؟ قال : قلت : إي والله ، فاكتم عني ، ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي ، فرقا من أن أغلب عليه ، فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك ، فهو والله على ما تحب، قال : حتى إذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له ، وتخلق ، وأخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى الكعبة ، فطاف بها ، فلما رأوه قالوا : يا أبا الفضل ، هذا والله التجلد الحر المصيبة ؛ قال : كلا والله الذي حلفتم به ، لقد افتتح محمد خيبر وتُرِك عروساً على بنت ملكهم ، وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولأصحابه ؛ قالوا : من جاءك بهذا الخبر ؟ قال : الذي جاءكم بما جاءكم به ، ولقد دخل عليكم مسلماً ، فأخذ ماله ، فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه ، فيكون معه ؛ قالوا : يا لعباد الله ! انفلت عدو الله ، أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ؛ قال : ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك .
قال ابن إسحاق : وكانت المقاسم على أقوال خيبر ، على الشق ونطاة والكتيبة فكانت الشق ونطاة في سهمان المسلمين ، وكانت الكتيبة خمس الله ، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وطعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وطعم رجال مشوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل فدك بالصلح ، منهم محيصة بن مسعود ، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وسقاً من شعير ، وثلاثين وسقاً من تمر ، وقسمت خيبر على أهل الحديبية ، من شهد خيبر ، ومن غاب عنها ، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام ، فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها ، وكان وادياها ، وادي السريرة ووادي خاص ، وهما اللذان قسمت عليهما خيبر ، وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهماً ، نطاة من ذلك خمسة أسهم ، والشق ثلاثة عشر سهماً ، وقسمت الشق ونطاة على ألف سهم ، وثمان مائة سهم . وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف سهم وثمان مائة سهم ، برجالهم وخيلهم ، الرجال أربع عشرة مائة ، والخيل مئتا فارس ؛ وكان لكل فرس سهمان ، ولفارسه سهم ؛ وكان لكل راجل سهم ؛ فكان لكل سهم رأس جمع إليه مائة رجل ، فكانت ثمانية عشر سهماً جمع .
قال ابن إسحاق : فكان علي بن أبي طالب رأساً ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله وعمر بن الخطاب ، وعبدالرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي ، أخو بني العجلان ، وأسيد بن حضير ، وسهم الحارث بن الخزرج ، وسهم ناعم ، وسهم بني بياضة ، وسهم بني عبيد ، وسهم بني حرام من بني سلمة ، وعبيد السهام .
قال ابن هشام : وإنما قيل له عبيد السهام لما اشترى من السهام يوم خيبر ، وهو عبيد بن أوس ، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس .
قال ابن إسحاق : وسهم ساعدة ، وسهم غفار وأسلم ، وسهم النجار وسهم حارثة ، وسهم أوس . فكان أول سهم خرج من خيبر بنطاة سهم الزبير بن العوام ، وهو الخوع ، وتابعه السرير ؛ ثم كان الثاني سهم بياضه ، ثم كان الثالث سهم أسيد ثم كان الرابع سهم بني الحارث بن الخزرج ، ثم كان الخامس سهم ناعم لبني عوف بن الخزرج ومزينة وشركائهم ، وفيه قتل محمود بن مسلمة ؛ فهذه نطاة . ثم هبطوا إلى الشق ، فكان أول سهم خرج منه سهم عاصم بن عدي ، أخي بني العجلان ، ومعه كان سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم سهم عبدالرحمن بن عوف ، ثم سهم ساعدة ، ثم سهم النجار ، ثم سهم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه . ثم سهم طلحة بن عبيد الله ، ثم سهم غفار وأسلم ، ثم سهم عمر بن الخطاب ، ثم سهما سلمة بن عبيدة وبني حرام ، ثم سهم حارثة ، ثم سهم عبيد السهام ، ثم سهم أوس ، وهو سهم اللفيف ، جمعت إليه جهينة ومن حضر خيبر من سائر العرب ؛ وكان حذوه سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي كان أصابه في سهم عاصم بن عدي . ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتيبة ، وهي وادي خاص بين قرابته وبين نسائه ، وبين رجال المسلمين ونساء أعطاهم منها ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته مائتي وسق ، ولعلي بن أبي طالب منه مائة وسق ، ولأسامة بن زيد مائتي وسق ، وخمسين وسقاً من نوى . ولعائشة أم المؤمنين مائتي وسق ، ولأبي بكر بن أبي قحافة مائة وسق ، ولعقيل بن أبي طالب مائة وسق وأربعين وسقاً ، ولبني جعفر خمسين وسقاً ، ولربيعة بن الحارث مائة وسق . وللصلت بن مخرمة وابنيه مائة وسق ، للصلت منها أربعون وسقاً ، ولأبي نبقة خمسين وسقاً ، ولركانه بن عبد يزيد خمسين وسقاً ، ولقيس بن مخرمة ثلاثين وسقاً ، ولأبي القاسم بن مخرمة أربعين وسقاً ، ولبنات عبيدة بن الحارث وابنة الحصين بن الحارث مائة وسق ، ولبني عبيد بن عبد يزيد ستين وسقاً ، ولابن أوس بن مخرمة ثلاثين وسقاً . ولمسطح بن أثاثة وابن إلياس خمسين وسقاً ، ولأم رميثة أربعين وسقاً ، ولنعيم بن هند ثلاثين وسقاً ، ولبحينة بنت الحارث ثلاثين وسقاً ، ولعجير بن عبد يزيد ثلاثين وسقاً ، ولأم الحكم ثلاثين وسقاً ، ولجمانة بنت أبي طالب ثلاثين وسقاً ، ولابن الأرقم خمسين وسقاً ، ولعبدالرحمن بن أبي بكر أربعين وسقاً . ولحمنة بنت جحش ثلاثين وسقاً ، ولأم الزبير أربعين وسقاً ، ولضباعة بنت الزبير أربعين وسقاً ، ولابن أبي خنيس ثلاثين وسقاً ، ولأم طالب أربعين وسقاً ، ولأبي بصرة عشرين وسقاً ، ولنميلة الكلبي خمسين وسقاً ، ولعبدالله بن وهب وابنتيه تسعين وسقاً ، لابنيه منها أربعين وسقاً ، ولأم حبيب بنت جحش ثلاثين وسقاً ، ولملكوم بن عبدة ثلاثين وسقاً ، ولنسائه صلى الله عليه وسلم سبع مائة وسق .
قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود قال : لم يوص رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته إلا بثلاث ، أوصى للرهاويين بحاد مائة وسق من خيبر ، وللداريين بحاد مائة وسق من خيبر ، وللسبائيين ، وللأشعريين بحاد مائة وسق من خيبر . وأوصى بتنفيذ بعث أسامة بن زيد بن حارثة ؛ وألا يترك بجزيرة العرب دينان .
قال ابن إسحاق : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك ، حين بلغهم ما أوقع الله تعالى بأهل خيبر ، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطائف ، أو بعد ما قدم المدينة ، فقبل ذلك منهم ، فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب .
قال ابن إسحاق: تسمية النفر الداريين الذين أوصى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، وهم بنو الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لحم ، الذين ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشام : تميم بن أوس، ونعيم بن أوس أخوه ، ويزيد بن قيس ، وعرفة بن مالك ، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن .
قال ابن هشام : ويقال : عزة بن مالك.
قال ابن إسحاق: وأخوه مران بن مالك .
قال ابن هشام : مروان بن مالك .
قال ابن إسحاق : وفاكه بن نعمان ، وجبلة بن مالك ، وأبو هند بن بر ، وأخوه الطيب بن بر ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثني عبدالله بن أبي بكر يبعث إلى أهل خيبر عبدالله بن رواحة خارصاً بين المسلمين ويهود ، فيخرص عليهم ، فإذا قالوا : تعديت علينا ، قال : إن شئتم فلكم ، وإن شئتم فلنا ، فتقول يهود : بهذا قامت السماوات والأرض . وإنما خرص عليهم عبدالله بن رواحة عاماً واحداً ، ثم أصيب بمؤتة يرحمه الله ، فكان جبار بن صخر بن أمية بن خنساء ، أخو بني سلمة ، هو الذي يخرص عليهم بعد عبدالله بن رواحة . فأقامت يهود على ذلك ، لا يرى بهم المسلمون بأساً في معاملتهم ، حتى عدوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن سهل ، أخي بني حارثة ، فقتلوه ، فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون عليه .
قال ابن إسحاق : فحدثني الزهري عن سهل بن أبي حثمة ؛ وحدثني أيضاً بشير بن يسار ، مولى بني حارثة ، عن سهل بن أبي حثمة ، قال : أصيب عبدالله بن سهل بخيبر ، وكان خرج إليها في أصحاب له يمتار منها تمراً ، فوُجِد في عَينٍ قد كُسِرت عنقه ، ثم طرح فيها . قال : فأخذوه فغيبوه ، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له شأنه ، فتقدم إليه أخوه عبدالرحمن بن سهل ، ومعه ابنا عمه حويصة ومحيصة ابنا مسعود ، وكان عبدالرحمن من أحدثهم سناً ، وكان صاحب الدم ، وكان ذا قدم في القوم ، فلما تكلم قبل ابني عمه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكبر الكبر .
قال ابن هشام : ويقال : كبر كبر - فيما ذكر مالك بن أنس - .
قال ابن إسحاق: فسكت ؛ فتكلم حويصة ومحيصة ، ثم تكلم هو بعد ، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل صاحبهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتسمون قاتلكم ، ثم تحلفون عليه خمسين يميناً فنسلمه إليكم ؟ قالوا : يا رسول الله ما كنا لنحلف على ما لا نعلم ؛ قال : أفيحلفون بالله خمسين يميناً ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً ثم يبرءون من دمه ؟ قالوا : يا رسول الله ، ما كنا لنقبل أيمان يهود ، ما فيهم من الكفر أعظم من أن يحلفوا على إثم ، قال : فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده مائة ناقة . قال سهل : فوالله ما أنسى بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن عبدالرحمن بن بجيد بن قيظي ، أخي بني حارثة ، قال محمد بن إبراهيم : وأيم الله ، ما كان سهل بأكثر علماً منه ، ولكنه كان أسن منه ؛ إنه قال له : والله ما هكذا كان الشأن ! ولكن سهلاً أوهم ، ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، احلفوا على ما لا علم لكم به . ولكنه كتب إلى يهود خيبر حين كلمته الأنصار : أنه قد وجد قتيل بين أبياتكم فأدُّوه ، فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ، ولا يعلمون له قاتلاً ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده .
قال بن إسحاق : وحدثثي عمرو بن شعيب مثل حديث عبدالرحمن بن بجيد ، إلا أنه قال في حديثه : أدُّوه أو ائذنوا بحرب . فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً ؛ فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده .
قال ابن إسحاق : وسألت ابن شهاب الزهري : كيف كان إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر نخلهم ، حين أعطاهم النخل على خرجها ، أبت ذلك لهم حتى قبض ، أم أعطاهم إياها للضرورة من غير ذلك . فأخبرني ابن شهاب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال ، وكانت خيبر مما أفاء الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقسمها بين المسلمين ، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال . فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها ، وتكون ثمارها بيننا وبينكم ، وأقركم ما أقركم الله ، فقبلوا ، فكانوا على ذلك يعملونها . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبدالله بن رواحة ، فيقسم ثمرها ، ويعدل عليهم في الخرص ..