زواج النبي (ص) من أم سلمة

قال ابن إسحاق: وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، واسمها هند، زوجه إياها سلمة بن أبي سلمة ابنها، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فراشا حشوه ليف، وقدحا، وصحفة، ومجشة، وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد، واسمه عبد الله، فولدت له سلمة وعمر وزينب ورقية.

وعن أم سلمة قالت: أتاني أبو سلمة يوما من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا فسررت به، قال: لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة، فيسترجع عند مصيبته، ثم يقول: اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها. إلا فعل به. قالت أم سلمة: فحفظت ذلك منه، فلما توفي أبو سلمة استرجعت، وقلت: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها. ثم رجعت إلى نفسي، قلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟ فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدبغ إهابا لي، فغسلت يدي من القرظ، وأذنت له، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسي، فلما فرغ من مقالته قلت: يا رسول الله، ما بي أن لا تكون بك الرغبة، ولكني امرأة في غيرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلت في السن، وأنا ذات عيال. فقال: أما ما ذكرت من الغيرة فسيذهبها الله عنك، وأما ما ذكرت من السن، فقد أصابني مثل الذي أصابك، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي. فقالت: فقد سلمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: أم سلمة: فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه، رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رواه أحمد.

قال الواقدي: في شوال من هذه السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بنت أبي أمية.

غزوة بدر الأخرى وغزوة دومة الجندل

 قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم خرج في شعبان إلى بدر ، لميعاد أبي سفيان حتى نزله ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ واستعمل على المدينة عبدالله بن أبي بن سلول الأنصاري ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فأقام عليه ثماني ليال ينتظر أبا سفيان ، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة ، من ناحية الظهران ؛ وبعض الناس يقول ‏:‏ قد بلغ عسفان ، ثم بدا له في الرجوع ، فقال ‏:‏ يا معشر قريش ، إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر ، وتشربون فيه اللبن ، وإن عامكم هذا عام جدب ، وإني راجعٌ ، فارجعوا ، فرجع الناس ، فسماهم أهل مكة جيش السويق ، يقولون ‏:‏ إنما خرجتم تشربون السويق ‏.‏ وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده ، فأتاه مخشي بن عمرو الضمري ، وهو الذي كان وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان ، فقال ‏:‏ يا محمد ، أجئت للقاء قريش على هذا الماء ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم، يا أخا بني ضمرة ، وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك ، ثم جالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك ، قال ‏:‏ لا والله يا محمد ، ما لنا بذلك منك من حاجة ‏.‏ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أبا سفيان.

قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فأقام من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أشهرا حتى مضى ذو الحجة، وولي تلك الحجة المشركون، وهي سنة أربع، ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم دُومة الجندل ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ في شهر ربيع الأول ، واستعمل على المدينة سِباع بن عرفطة الغفاري ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليها ، ولم يلق كيدا ، فأقام بالمدينة بقية سنته، ثم كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس ‏.‏

غزوة ذات الرقاع ونزول صلاة الخوف

قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد غزو بني النضير شهر ربيع الآخر وبعض جمادى ، ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري - ويقال ‏:‏ عثمان بن عفان ، فيما قال ابن هشام ‏- حتى نزل نخلا ، وهي غزوة ذات الرقاع.

قال ابن هشام ‏:‏ وإنما قيل لها غزوة ذات الرقاع ، لأنهم رقعوا فيها راياتهم ؛ ويقال ‏:‏ ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع ، يقال لها ‏:‏ ذات الرقاع ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فلقي بها جمعا عظيما من غطفان ، فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب ، وقد خاف الناس بعضهم بعضا ، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ، ثم انصرف بالناس ‏.‏

قال ابن إسحاق: وحدثني عمرو بن عبيد، عن الحسن، عن جابر بن عبد الله: أن رجلا من بني محارب، يقال له: غورث، قال لقومه من غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمدا؟ قالوا: بلى، وكيف تقتله؟ قال: أفتك به. قال: فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس، وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فقال: يا محمد، أنظر إلى سيفك هذا؟ قال: نعم- وكان محلى بفضة، فيما قال ابن هشام- قال: فأخذه فاستله، ثم جعل يهزه، ويهم فيكبته الله، ثم قال: يا محمد، أما تخافني؟ قال: لا، وما أخاف منك؟ قال: أما تخافني وفي يدي السيف؟ قال: لا، يمنعني الله منك. ثم عمد إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرده عليه. قال: فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)} [المائدة]

قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان: أنها إنما أنزلت في عمرو بن جحاش، أخي بني النضير وما هم به، فالله أعلم أي ذلك كان.

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل ، على جمل لي ضعيف ؛ فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ جعلت الرفاق تمضي ، وجعلت أتخلف حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ ما لك يا جابر ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ، أبطأ بي جملي هذا ؛ قال ‏:‏ أنخه ؛ قال ‏:‏ فأنخته وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ثم قال ‏:‏ أعطني هذه العصا من يدك ، أو اقطع لي عصا من شجرة ، قال ‏:‏ ففعلت ‏.‏ قال ‏:‏ فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخسه بها نخسات ، ثم قال ‏:‏ اركب ، فركبت ، فخرج ، والذي بعثه بالحق ، يواهق ناقته مواهقة ‏.‏ قال ‏:‏ وتحدثت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لي ‏:‏ أتبيعني جملك هذا يا جابر ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ، بل أهبه لك ؛ قال ‏:‏ لا ، ولكن بعْنِيه ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ فسمنيه يا رسول الله ؛ قال ‏:‏ قد أخذته بدرهم ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ لا ، إذن تغبنني يا رسول الله ‏!‏ قال ‏:‏ فبدرهمين ؛ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ لا ‏.‏ قال ‏:‏ فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمنه حتى بلغ الأوقية ‏.‏ قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ أفقد رضيت يا رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ‏.‏ قلت ‏:‏ فهو لك ؛ قال ‏:‏ قد أخذته ‏.‏ قال ‏:‏ ‏ثم قال ‏:‏ يا جابر ، هل تزوجت بعد ‏؟  قال ‏:‏ قلت ‏:‏ نعم يا رسول الله ، قال ‏:‏ أثيبا أم بكرا ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ لا ، بل ثيبا ؛ قال ؛ أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك ‏!‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ، إن أبي أصيب يوم أحد وترك بنات له سبعا ، فنكحت امرأة جامعة ، تجمع رؤوسهن ، وتقوم عليهن ؛ قال ‏:‏ أصبت إن شاء الله ، أما إنا لو قد جئنا صراراً أمرنا بجزور فنُحرت ، وأقمنا عليها يومنا ذاك ، وسمعت بنا ، فنفضت نمارقها ‏.‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ والله يا رسول الله ما لنا من نمارق ؛ قال ‏:‏ إنها ستكون ، فإذا أنت قدِمت فاعمل عملا كيسا ‏.‏ قال ‏:‏ فلما جئنا صراراً أمر رسول الله صلى الله عله وسلم بجزور فنحرت ، وأقمنا عليها ذلك اليوم ؛ فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل ودخلنا ؛ قال ‏:‏ فحدثت المرأة الحديث ، وما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قالت ‏:‏ فدونك ، فسمع وطاعة ‏.‏ قال ‏:‏ فلما أصبحت أخذت برأس الجمل ، فأقبلت به حتى أنخته على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال ‏:‏ ثم جلست في المسجد قريبا منه ؛ قال ‏:‏ وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى الجمل ؛ فقال ‏:‏ ما هذا ‏؟‏ قالوا ‏:‏ يا رسول الله هذا جمل جاء به جابر ؛ قال ‏:‏ فأين جابر ‏؟‏ قال ‏:‏ فدُعِيتُ له ؛ قال ‏:‏ فقال ‏:‏ يا ابن أخي خذ برأس جملك ، فهو لك ، ودعا بلالاً ، فقال له ‏:‏ اذهب بجابر ، فأعطه أوقية ‏.‏ قال ‏:‏ فذهبت معه ، فأعطاني أوقية ، وزادني شيئا يسيراً ‏.‏ قال ‏:‏ فوالله ما زال ينمي عندي ، ويرى مكانه من بيتنا ، حتى أصيب أمس فيما أصيب لنا يعني يوم الحرة ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عمي صدقة بن يسار ، عن عقيل بن جابر ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال ‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع من نخل ، فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين ؛ فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا ، أتى زوجها وكان غائبا ، فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يهريق في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دما ، فخرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا ، فقال ‏:‏ من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه ‏؟‏ قال ‏:‏ فانتدب رجل من المهاجرين ، ورجل آخر من الأنصار.

قال ابن هشام: هما عمّار بن ياسر وعباد بن بشر.

قال ابن إسحاق ‏:‏ فقالا ‏:‏ نحن يا رسول الله ؛ قال ‏:‏ فكونا بفم الشّعب ‏.‏ قال ‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نزلوا إلى شعب من الوادي، فلما خرج الرجلان إلى فم الشِّعب ، قال الأنصاريّ للمهاجريّ أيَّ الليل تحب أن أكفيكه ‏:‏ أوله أم آخره ‏؟‏ قال ‏:‏ بل اكفني أوله ؛ قال ‏:‏ فاضطجع المهاجري فنام ، وقام الأنصاري يصلي ، قال ‏:‏ وأتى الرجل ، فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة - طليعة - القوم ‏.‏ قال ‏:‏ فرمى بسهم ، فوضعه فيه ؛ قال ‏:‏ فنزعه ووضعه ، فثبت قائما ؛ قال ‏:‏ ثم رماه بسهم أخر فوضعه فيه ‏.‏ قال ‏:‏ فنزعه فوضعه وثبت قائما ؛ ثم عاد له بالثالث ، فوضعه فيه ؛ قال ‏:‏ فنزعه فوضعه ثم ركع وسجد ، ثم أهب صاحبه فقال ‏:‏ اجلس فقد أثبتُّ ، قال ‏:‏ فوثب فلما رأهما الرجل عرف أن قد نذرا به ، فهرب ‏.‏ قال ‏:‏ ولما رأى المهاجريّ ما بالأنصاريّ من الدماء قال ‏:‏ سبحان الله ‏!‏ أفلا أهببتني أول ما رماك ‏؟‏ قال ‏:‏ كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها ، فلما تابع على الرمى ركعت فأذنتك ، وأيم الله ، لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه ، لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة الرقاع ، أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجبا ‏.‏

إجلاء يهود بني النضير

قال ابن إسحاق: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير، يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر، اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهما، كما حدثني يزيد بن رومان، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عقد وحلف.  فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين، قالوا: نعم، يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت، مما استعنت بنا عليه.  ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم ‏لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد - فمن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة، فيريحنا منه ‏‏؟‏‏ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب - أحدهم - فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي، رضوان الله عليهم.  فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء، بما أراد القوم، فقام وخرج راجعاً إلى المدينة، فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة، فسألوه عنه، فقال: رأيته داخلا المدينة.  فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى انتهوا إليه صلى الله عليه وسلم، فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من الغدر به، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم، والسير إليهم. 

قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.

قال ابن إسحاق: ثم سار بالناس حتى نزل بهم. 

قال ابن هشام: وذلك في شهر ربيع الأول فحاصرهم ست ليال ونزل تحريم الخمر. 

قال ابن إسحاق: فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها، فنادوه: أن يا محمد، قد كنت تنهي عن الفساد، وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها ‏‏؟‏‏ ‏وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج، منهم عدو الله عبدالله بن أبي سلول ووديعة ومالك بن أبي قوقل، وسويد وداعس، قد بعثوا إلى بني النضير: أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا ذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أَّن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة، ففعل، فاحتملوا من أموالهم ما استقلَّت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به، فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام.  فكان أشرافهم من سار منهم إلى خيبر: سلام من أبي الحقيق، وكنانة بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب.  فلما نزلوها دان لهم أهلها. 

قال ابن إسحاق: فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدث: أنهم استقلوا بالنساء والأموال، معهم الدفوف والمزامير، والقيان يعزفن خلفهم، وإن فيهم لأم عمرو صاحبة عروة بن الورد العبسي، التي ابتاعوا منه، ‏وكانت إحدى نساء بني غفار، بزهاء وفخر وما رئي مثله من حي من الناس في زمانهم.  وخلوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، يضعها حيث يشاء، فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا أن سهل ابن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا، فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.  ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان يامين بن عمير، أبو كعب بن عمرو بن جحاش، وأبو سعد بن وهب، أسلما على أموالهما فأحرزاها. 

قال ابن إسحاق: وقد حدثني بعض آل يامين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليامين: ألم تر ما لقيت من ابن عمك، وما هم به من شأني ‏‏؟‏‏ فجعل يامين بن عمير لرجل جعلا على أن يقتل له عمرو بن جحاش، فقلته فيما يزعمون. 

يوم بئر معونة

قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شوال وذا القعدة وذا الحجة - وولي تلك الحجة المشركون والمحرم - ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب بئر معونة في صفر، على رأس أربعة أشهر من أحد.  وكان من حديثهم، كما حدثني أبي إسحاق بن يسار عن المغيرة بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، وعبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيره من أهل العلم، قالوا: قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، ودعاه إليه فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام، وقال: يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد، فدعوهم إلى أمرك، رجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أخشى عليهم أهل نجد، قال أبو براء: أنا لهم جار، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك.  فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو، أخا بني ساعدة، المعنق، ليموت في أربعين رجلا من أصحابه، من خيار المسلمين، منهم الحارث بن الصمة، وحرام بن ملحان أخو بني عدي بن النجار، وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي، ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وعامر بن فهيرة، مولى أبي بكر الصديق، في رجال مسمَّين من خيار المسلمين.  فساروا حتى نزلوا ببئر معونة، وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم، كلا البلدين منها قريب، وهي إلى حرة بني سليم أقرب.  فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا على الرجل فقتله، ثم استصرخ عليهم بني عامر، فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه، وقالوا: لن نخفر أبا براء، وقد عقد لهم عقدا وجوارا، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم من عصية ورعل وذكوان، فأجابوه إلى ذلك، فخرجوا حتى غشوا القوم، فأحاطوا بهم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم، ثم قاتلوهم حتى قتلوا من عند أخرهم، يرحمهم الله، إلا كعب بن زيد، أخا بني دينار بن النجار، فإنهم تركوه وبه رمق الموت، فارتث من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدًا، رحمه الله.  وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري، ورجل من الأنصار، أحد بني عمرو بن عوف. 

قال ابن هشام: هو المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح. 

قال ابن إسحاق: فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر، فقالا: والله إن لهذه الطير لشأنا: فأقبلا لينظرا، فإذا القوم في دمائهم، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة.  فقال الأنصاري: لعمرو بن أمية: ما ترى ‏‏؟‏‏ قال: أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر، فقال الأنصاري: لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، وما كنت لتخبرني عنه الرجال، ثم قاتل القوم حتى قتل، وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا، فلما أخبرهم أنه من مضر، أطلقه عامر بن الطفيل، وجز ناصيته، وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه.  فخرج عمرو بن أمية، حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة، أقبل رجلان من بني عامر.  حتى نزلا معه في ظل هو فيه.  وكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار، لم يعلم به عمرو بن أمية، وقد سألهم حين نزلا، ممن انتما ‏‏؟‏‏ فقالا: من بني عامر فأمهلهما، حتى إذا ناما، عدا عليهما فقتلهما، وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثؤرة من بني عامر، فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد قتلت قتيلين لأدينهما. ‏ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارها متخوفا، فبلغ أبا براء، فشق عليه إخفار عامر إياه، وما أصاب أصحاب رسول الله صلى الله عله وسلم بسببه وجواره، وكان فيمن أصيب عامر أبن فهيرة. 

قال ابن إسحاق: فحدثني هشام بن عروة، عن أبيه، أن عامر بن الطفيل، كان يقول: من رجل منهم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه قالوا هو عامر بن فهيرة.

قال ابن إسحاق: وقد حدثني بعض بني جبار بن سلمى بن مالك بن جعفر، قال: وكان جبار فيمن حضرها يومئذ مع عامر، ثم أسلم قال: فكان يقول: إن مما دعاني إلى الإسلام أني طعنت رجلاً منهم يومئذ بالرمح بين كتفيه، فنظرت إلى سنان الرمح حين خرج من صدره فسمعته يقول: فزت والله. فقلت في نفسي: ما فاز ألست قد قتلت الرجل ‏‏؟‏‏ قال: حتى سألت بعد ذلك عن قوله، فقالوا: للشهادة، فقلت: فاز لعمر الله. 

قال ابن إسحاق: فحمل ربيعة بن عامر بن مالك على عامر بن الطفيل، فطعنه بالرمح فوقع في فخذه، فأشواه ووقع عن فرسه، فقال: هذا عمل أبي براء، إن أمت فدمي لعمي، فلا يتبعن به، وإن أعش فسأرى رأيي فيما أُتِىَ إلي.

زواج النبي (ص) بزينب بنت خزيمة

 قال ابن إسحاق: وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة، وكانت تسمى أم المساكين، لرحمتها إياهم، ورقتها عليهم، زوجه إياها قبيصة بن عمرو الهلالي، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم، وكانت قبله عند عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف، وكانت قبل عبيدة عند جهم بن عمرو بن الحارث، وهو ابن عمها.

قال الطبري: وفي هذه السنه تزوج رسول الله ص زينب بنت خزيمة أم المساكين من بني هلال في شهر رمضان، ودخل بها فيه، وكان أصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشا، وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث، فطلقها.

قال أبو عمر بن عبد البر: زينب بنت خزيمة، أم المساكين، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، هي زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة العامرية، لم يختلفوا في نسبها، كانت تدعى أم المساكين في الجاهلية، وكانت تحت عبد الله بن جحش، قتل عنها يوم أحد، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث، ولم تلبث عنده إلا يسيرا، شهرين أو ثلاثة، وتوفيت في حياته. وقال قتادة: كانت زينب بنت خزيمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند الطفيل بن الحارث. والقول الأول قول ابن شهاب. وقال أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني النسابة: كانت زينب بنت خزيمة عند الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، ثم خلف عليها أخوه عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف. قال: وكانت زينب بنت خزيمة أخت ميمونة لأمها، ولم أر ذلك لغيره، والله أعلم.

قلت: يظهر من الأخبار، أن زينب كانت عند جهم بن عمرو أو الطفيل بن الحارث، أيهما كانت عند الأول منهما فقد خلف عليها الأخر، ففارقها بموت أو طلاق، فتزوجها عبيدة بن الحارث، أخي الطفيل، فقتل عنها يوم بدر، فتزوجها عبدالله بن جحش، فقتل عنها يوم أحد، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم.

يوم الرجيع

قال ‏‏ابن إسحاق:‏‏ حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة، قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عَضَل والقارة.  فقالوا: يا رسول الله، إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القرآن، ويعلموننا شرائع الإسلام، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا ستة من أصحابه، وهم: مرثد بن أبي مرثد الغنوي، حليف حمزة بن عبدالمطلب، وخالد بن البكير الليثي، حليف بني عدي بن كعب، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، أخو بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وخبيب بن عدي، أخو بني جحجبى بن كلفة بن عمرو بن عوف، وزيد بن الدثنة بن معاوية، أخو بني بياضة بن عمرو بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غصب بن جشم بن الخزرج، وعبدالله بن طارق، حليف بني ظفر بن الخزرج بن عمرو بن ملاك بن الأوس.  وأمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم مرثد بن أبي مرثد الغنوي، فخرج مع القوم، حتى إذا كانوا على الرجيع، ماء لهذيل بناحية الحجاز، على صدور الهدأة غدروا بهم، فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم، وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم، فأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم، فقالوا لهم: إنا والله ما نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم.  فأما مرثد بن أبي مرثد، وخالد بن البكير، وعاصم بن ثابت، فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا، وكان عاصم بن ثابت يكنى: أبا سليمان.  ثم قاتل القوم حتى قتل وقتل صاحباه.  فلما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه، ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد: لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر، فمنعه الدبر، فلما حالت بينه وبينهم، قالوا: دعوه يمسي فتذهب عنه.  فنأخذه فبعث الله الوادي، فاحتمل عاصما، فذهب به.  وقد كان عاصم قد أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك، ولا يمس مشركا أبدا، تنجسا، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: حين بلغه أن الدبر منعته: ‏‏يحفظ الله العبد المؤمن،‏‏ كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك، ولا يمس مشركا أبدا في حياته، فمنعه الله بعد وفاته، كما امتنع منه في حياته.  ‏وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي، وعبدالله بن طارق فلانوا ورقوا ورغبوا في الحياة، فأعطوا بأيديهم فأسروهم، ثم خرجوا إلى مكة، ليبيعوهم بها، حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبدالله بن طارق يده من القران، ثم أخذ سيفه، واستأخر عنه القوم، فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره، رحمه الله، بالظهران، وأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة فقدموا بهما مكة.  فابتاع خبيبا حُجير بن أبي إهاب التميمي، حليف بني نوفل، لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل، وكان أبو إهاب أخا الحارث بن عامر لأمه لقتله بأبيه.  وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه، أمية بن خلف، وبعث به صفوان بن أمية مع مولى له، يقال له نسطاس، إلى التنعيم، وأخرجوه من الحرم ليقتلوه.  واجتمع رهط من قريش، فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان حين قُدِّم ليقتل: أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه، وأنك في أهلك ‏‏؟‏‏ قال: ‏والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وأني جالس في أهلي.  قال: يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمدٍ محمدا، ثم قتله نِسطاس، يرحمه الله.  وأما خبيب بن عدي، فحدثني عبدالله بن أبي نجيح، أنه حُدّث عن ماوية، مولاة حجير بن أبي إهاب، وكانت قد أسلمت، قالت: كان خبيب عندي، حبس في بيتي، فلقد اطلعت عليه يوما، وإن في يده لقطفا من عنب، مثل رأس الرجل يأكل منه، وما أعلم في أرض الله عنبا يؤكل.  وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبي نجيح جميعا أنها قالت: قال لي حين حضَره القتل: ابعثي إلي بحديدة أتطهر بها للقتل، قالت: فأعطيت غلاما من الحي الموسى، فقلت: ادخل بها على هذا الرجل البيت، قالت: فوالله ما هو إلا أن ولى الغلام بها إليه، فقلت: ماذا صنعت، أصاب والله الرجل ثأره بقتل هذا الغلام، فيكون رجلا برجل، فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال: لعمرك، ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي، ثم خلى سبيله.  قال عاصم: ثم خرجوا بخبيب، حتى إذا جاءوا به إلى التنعيم ليصلبوه، قال لهم: إن رأيتم ان تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا، قالوا: دونك فاركع، فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم فقال ‏‏:‏‏أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة.  قال: فكان خبيب بن عدي أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين.  قال: ثم رفعوه على خشبة، فلما أوثقوه، قال: اللهم إنّا قد بلغنا رسالة رسولك، فبلغه الغداة ما يصنع بنا، ثم قال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم احدا.  ثم قتلوه رحمه الله.  فكان معاوية بن أبي سفيان يقول: حضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان، فلقد رأيته يلقيني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب، وكانوا يقولون: إن الرجل إذا دعي عليه، فاضطجع لجنبه زالت عنه. 

قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن أبيه عباد، عن عقبة بن الحارث، قال: سمعته يقول: ما أنا والله قتلت خبيبا، لأني كنت أصغر من ذلك، ولكن أبا ميسرة، أخا بني عبدالدار، أخذ الحربة فجعلها في يدي، ثم أخذ بيدي وبالحربة، ثم طعنه بها حتى قتله. 

قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أصحابنا، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل سعيد بن عامر بن حِذْيَم الجمحي على بعض الشام، فكانت تصيبه غشية، وهو بين ظهري القوم، فذكر ذلك لعمر ابن الخطاب، وقيل: إن الرجل مصاب، فسأله عمر في قدمة قدمها عليه، فقال: يا سعيد، ما هذا الذي يصيبك ‏‏؟‏‏ فقال: والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس، ولكني كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين قتل، وسمعت دعوته، فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي علي، فزادته عند عمر خيرا. 

قال ابن إسحاق: وكان الذين أجلبوا على خبيب في قتله حين قُتِل من قريش، عكرمة بن أبي جهل، وسعيد بن عبدالله بن أبي قيس بن عبد ود، والأخنس بن شريق الثقفي، حليف بني زهرة، وعبيدة بن حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي، حليف بني أمية بن عبد شمس، وأمية بن أبي عتبة، وبنو الحضرمي.

وقعة أحد

قال ابن إسحاق: وغزته قريش غزوة أحد في شوال، سنة ثلاث. وكان من حديث أحد، كما حدثني محمد بن مسلم الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة، والحصين بن عبدالرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ، وغيرهم من علمائنا، كلهم قد حدث بعض الحديث عن يوم أحد، وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد قالوا، أومن قال منهم: لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب، ورجع فلُّهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بن حرب بعيره، مشى عبدالله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، في رجال من قريش، ممن أصيب آباؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا: يا معشر قريش، إن محمدا قد وتركم، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، فعلَّنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منّا، ففعلوا‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق: ففيهم، كما ذكر لي بعض أهل العلم، أنزل الله تعالى: {‏‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)} [الأنفال]. فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فعل ذلك أبو سفيان بن حرب، وأصحاب العير بأحابيشها، ومن أطاعها من قبائل كنانة، وأهل تهامة، وكان أبو عّزة عمرو بن عبدالله الجمحي قد منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وكان فقيرا ذا عيال وحاجة، وكان في الأسارى فقال: إني فقير ذو عيال وحاجة قد عرفتها فامنن علي، فمنّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له صفوان بن أمية: يا أبا عزة إنك امرؤ شاعر فأعنا بلسانك فأخرج معنا، فقال: إن محمداً قد منّ علي فلا أريد أن أظاهر عليه، قال: بلى فأعنا بنفسك فلك الله علي إن رجعت أن أغنيك، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر، فخرج أبو عزة في تهامة، ويدعو بني كنانة ويقول ‏‏:‏‏

أيها بني عبد مناة الرُزَّام * أنتم حماة وأبوكم حام

لا تعدوني نصركم بعد العام * لا تسلموني لا يحلُّ إسلام

وخرج مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح، إلى بني مالك بن كنانة، يحرضهم ويدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ‏‏:‏‏

يا مال، مال الحسب المقدَّم * أنشد ذا القربى وذا التّذمُّم

من كان ذا رحم ومن لم يرحم * الحلف وسط البلد المحّرم

ودعا جبير بن مطعم غلامًا له حبشيًا يقال له: وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة، قلَّما يخطئ بها، فقال له: أخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عمّ محمد بعمّي طعيمة بن عدي، فأنت عتيق. 

فخرجت قريش بحدّها وجدّها وحديدها وأحابيشها، ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة، وخرجوا معهم الظعن، التماس الحفيظة، وألا يفروا. فخرج أبو سفيان بن حرب، وهو قائد الناس، بهند بنت عتبة وخرج عكرمة بن أبي جهل، بأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة، وخرج الحارث بن هشام بن المغيرة، بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وخرج صفوان بن أمية، ببرزة بنت مسعود بن عمر بن عمير الثقفية، وهي أم عبدالله بن صفوان بن أمية. 

قال ابن هشام: ويقال رقيّة. 

قال ابن إسحاق: وخرج عمرو بن العاص، بريطة بنت منبه بن الحجاج، وهي أم عبدالله بن عمرو، وخرج طلحة بن أبي طلحة - وأبو طلحة عبدالله بن عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار - بسلافة بنت سعد بن شهيد الأوسيّة، وهي أم بني طلحة: مسافع والجلاس وكلاب، قتلوا يومئذ هم وأبوهم، وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب، إحدى نساء بني مالك بن حسل، مع ابنها أبي عزيز بن عمير، وهي أم مصعب بن عمير، وخرجت عمرة بنت علقمة، إحدى نساء بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وكانت هند بنت عتبة كلما مرت بوحشي أو مر بها، قالت: ويها أبا دسمة اشف واستشف، وكان وحشي يكنى بأبي دسمة، فأقبلوا حتى نزلوا بعينين، بجبل ببطن السبخة، من قناة على شفير الوادي، مقابل المدينة. قال: فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمون قد نزلوا حيث نزلوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين: إني قد رأيت والله خيرا، رأيت بقرا، ورأيت في ذباب سيفي ثلما، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة، فأولتها المدينة. 

قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت بقرا لي تذبح، قال: فأما البقر فهي ناس من أصحابي يقتلون، وأما الثلم الذي رأيت في ذباب سيفي فهو رجل من أهل بيتي يقتل. 

قال ابن إسحاق: فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا،‏ فإن أقاموا أقاموا بشرِّ مقام، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها، وكان رأي عبدالله بن أبي بن سلول مع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى رأيه في ذلك، وألا يخرج إليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الخروج، فقال رجال من المسلمين، ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد وغيره، ممن كان فاته بدر: يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا، لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا، فقال عبدالله بن أبي بن سلول: يا رسول الله، أقم بالمدينة لا نخرج إليهم، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منَّا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منهم، فدعهم يا رسول الله، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا.  فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم، حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته، فلبس لأْمته، وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة. وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له: مالك بن عمرو، أحد بني النجار، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج عليهم، وقد ندم الناس، وقالوا: استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لنا ذلك. فلما خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله: استكرهناك ولم يكن ذلك لنا، فإن شئت فاقعد صلى الله عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه. 

قال ابن هشام: واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس. 

قال ابن إسحاق: حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة وأحد، انخذل عنه عبدالله بن أبي بن سلول بثلث الناس، وقال: أطاعهم وعصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس، فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق والريب، واتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام، أخو بني سلمة، يقول: يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال. قال: فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم نبيه. 

قال ابن هشام: وذكر غير زياد، عن محمد بن إسحاق عن الزهري: أن الأنصار يوم أحد، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود ‏‏؟‏‏ فقال: لا حاجة لنا فيهم.

قال ابن إسحاق: ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك في حرة بني حارثة، فذبَّ فرسه بذنبه، فأصاب كَلاَّب سَيفٍ فاستلَّه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان يحب الفأل ولا يعاتف - لصاحب السيف: شِم سيفك، فإني أرى السيوف ستسل اليوم ‏‏.‏ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: مَن رجل يخرج بنا على القوم من كثب - أي من قرب - من طريق لا يمر بنا عليهم ‏‏؟‏‏ فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث: أنا يا رسول الله. فنفذ به في حرة بني حارثة، وبين أموالهم، حتى سلك في مال لمربع بن قيظي، وكان رجلا منافقا ضرير البصر، فلما سمع حِس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين، قام يحثي في وجوههم التراب، ويقول: إن كنت محمدا فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي. وقد ذكر لي، أنه أخذ حفنة من تراب في يده، ثم قال: والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك. فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتلوه، فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصر. وقد بدر إليه سعد بن زيد أخو بني عبدالأشهل، قبل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، فضربه بالقوس في رأسه فشجه. قال: ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد، في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وقال: لا يقاتلن أحد منكم حتى نأمره بالقتال. وقد سرَّحت قريش الظهر والكراع، في زروع كانت بالصمغة من قناة للمسلمين، فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال: أترعى زروع بني قيلة، ولمَّا نضارب ‏‏؟‏‏ وتعبىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏للقتال. وهو في سبعمائة رجل، وأمَّر على الرماة عبدالله بن جبير، أخا بني عمرو بن عوف، وهو مُعلم يومئذ بثياب بيض، والرماة خمسون رجلا فقال: انضح الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا، فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك. وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير أخي بني عبدالدار. 

قال ابن هشام: وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سمرة بن جندب الفزاري، ورافع بن خديج، أخا بني حارثة، وهما ابنا خمس عشرة سنة، وكان قد ردهما، فقيل له: يا رسول الله إن رافعا رامٍ فأجازه، فلما أجاز رافعا قيل له: يا رسول الله فإن سمرة يصرع رافعا، فأجازه. وردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسامة بن زيد، وعبدالله بن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، أحد بني مالك بن النجار، والبراء بن عازب، أحد بني حارثة، وعمرو بن حزم أحد بني مالك بن النجار، وأسيد بن ظهير أحد بني حارثة، ثم أجازهم يوم الخندق، وهم أبناء خمس عشرة سنة ‏‏.‏

قال ابن إسحاق: وتعبأت قريش، وهم ثلاثة آلاف رجل، ومعهم مئتا فرس قد جنبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يأخذ هذا السيف بحقه ‏‏؟‏‏ فقام إليه رجال، فأمسكه عنهم، حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة، أخو بني ساعدة، فقال: وما حقه يا رسول الله ‏‏؟‏‏ قال: أن تضرب به العدو حتى ينحني، قال: أنا آخذه يا رسول الله بحقه، فأعطاه إياه. وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب، إذا كانت، وكان إذا أعلم بعصابة له حمراء، فاعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج عصابته تلك، فعصب بها رأسه، وجعل يتبختر بين الصفين. 

قال ابن إسحاق: فحدثني جعفر بن عبدالله بن أسلم، مولى عمر بن الخطاب، عن رجل من الأنصار من بني سلمة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين رأى أبا دجانة يتبختر: إنها لمشية يبغضها الله، إلا في مثل هذا الموطن. 

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن أبا عامر، عبدعمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان، أحد بني ضبيعة، وقد كان خرج حين خرج إلى مكة مباعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، معه خمسون غلاما من الأوس، وبعض الناس كان يقول: كانوا خمسة عشر رجلا، وكان يعد قريشا أن لو قد لقي قومه لم يختلف عليه منهم رجلان، فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش وعُبْدَان أهل مكة، فنادى: يا معشر الأوس، أنا ‏أبو عامر، قالوا: فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق - وكان أبو عامر يسمى في الجاهلية: الراهب، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الفاسق - فلما سمع ردهم عليه قال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ثم قاتلهم قتالا شديدا، ثم راضخهم بالحجارة. 

قال ابن إسحاق: وقد قال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبدالدار يحرضهم بذلك على القتال: يا بني عبدالدار، إنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر، فأصابنا ما قد رأيتم، وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا، فإما أن تكفونا لواءنا، وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه، فهموا به وتواعدوه، وقالوا: نحن نسلم إليك لواءنا ستعلم غدا إذا التقينا كيف نصنع، وذلك أراد أبو سفيان، فلما التقى الناس، ودنا بعضهم من بعض، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال، ويحرضنهم، فقالت هند فيما تقول ‏‏:‏‏

ويها بني عبدالدار * ويها حماة الأدبار * ضربا بكل بتار 

وتقول ‏‏:‏‏

إن تقبلوا نعانق * ونفرش النمارق * أو تدبروا نفارق * فراق غير وامق

قال ابن هشام: وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: أمت، أمت.

قال ابن إسحاق: فاقتتل الناس حتى حميت الحرب، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس. 

قال ابن هشام: حدثني غير واحد، من أهل العلم، أن الزبير بن العوام قال: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة، وقلت: أنا ابن صفية عمته، ومن قريش، وقد قمت إليه فسألته إياه قبله، فأعطاه إياه وتركني، والله لأنظرن ما يصنع، فاتبعته، فأخرج عصابة له حمراء، فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت، وهكذا كانت تقول له إذا تعصب بها، فجعل لا يلقي أحدا إلا قتله. وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا ذفف عليه، فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه. فدعوت الله أن يجمع بينهما، فالتقيا، فأختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة، فاتقاه بدرقته، فعضت بسيفه، وضربه أبو دجانة فقتله ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة، ثم عدل السيف عنها. قال الزبير فقلت: الله ورسوله أعلم. 

قال ابن إسحاق: وقال أبو دجانة سماك بن خرشة: رأيت إنسانا يخمش الناس خمشا شديدا، فصمدت له، فلما حملت عليه السيف ولول فإذا امرأة، فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اضرب به امرأة. وقاتل حمزة بن عبدالمطلب حتى قتل أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار، وكان أحد النفر‏ الذين يحملون اللواء، ثم مر به سباع بن عبدالعزى الغبشاني، وكان يكنى بأبي نيار، فقال له حمزة: هلم إلي يابن مقطعة البظور - وكانت أمه أم أنمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي.

قال ابن هشام: شريق بن الأخنس بن شريق.  

قال ابن إسحاق: وكانت ختانة بمكة، فلما التقيا ضربه حمزة فقتله. قال وحشي، غلام جبير بن مطعم: والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه ما يليق به شيئا، مثل الجمل الأورق إذ تقدمني إليه سباع بن عبدالعزى، فقال له حمزة: هلم إلي يابن مقطعة البظور، فضربه ضربة، فكأن ما أخطأ رأسه، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت في ثنته، حتى خرجت من بين رجليه، فأقبل نحوي، فغلب فوقع، وأمهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي، ثم تنحيت إلى العسكر، ولم تكن لي بشيء حاجة غيره. 

قال ابن إسحاق: وحدثني عبدالله بن الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث، عن سليمان بن يسار، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال: خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار، أخو بني نوفل بن عبد مناف، في زمان معاوية بن أبي سفيان، فأدربنا مع الناس، فلما قفلنا مررنا بحمص - وكان وحشي مولى جبير بن مطعم، قد سكنها، وأقام بها - فلما قدمناها، قال لي عبيد الله بن عدي: هل لك في أن نأتي وحشيا فنسأله عن قتل حمزة كيف قتله ‏‏؟‏‏ قال: قلت له: إن شئت‏‏.‏‏ فخرجنا نسأل عنه بحمص، فقال لنا رجل، ونحن نسأل عنه: إنكما ستجدانه بفناء داره، وهو رجل قد غلبت عليه الخمر، فإن تجداه صاحيا تجدا رجلا عربيا، وتجدا عنده بعض ما تريدان، وتصيبا عنده ما شئتما من حديث تسألانه عنه، وإن تجداه وبه بعض ما يكون به، فانصرفا عنه ودعاه، قال: فخرجنا نمشي حتى جئناه، فإذا هو بفناء داره على طنفسة له، فإذا شيخ كبير مثل البغاث - قال ابن هشام: البغاث: ضرب من الطير يميل إلى السواد - فإذا هو صاح لا بأس به.  قال: فلما انتهينا إليه سلمنا عليه، فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي، فقال: ابن لعدي بن الخيار أنت ‏‏؟‏‏ قال: نعم، قال: أما والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى، فإني ناولتكها وهي على بعيرها، فأخذتك بعرضيك، فلمعت لي قدماك حين رفعتك إليها، فوالله ما هو إلا أن وقفت علي فعرفتهما. قال: فجلسنا إليه، فقلنا له: جئناك لتحدثنا عن قتلك حمزة، كيف قتلته ‏‏؟‏‏ فقال: أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك، كنت غلاما لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد، قال لي جبير: إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق. قال: فخرجت مع الناس، وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلما أخطئ بها شيئا، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهد الناس بسيفه هدا، ما يقوم له شيء، فوالله إني لأتهيأ له، أريده وأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبدالعزى، فلما رآه حمزة قال: له هلم إلي يا ابن مقطعة البظور‏‏.‏‏ قال: فضربه ضربة كأن ما أخطأ رأسه قال: وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها، دفعتها عليه، فوقعت في ثنته.  حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي، فغلب، وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر، فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأعتق.  فلما قدمت مكة أعتقت، ثم أقمت حتى إذا افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف، فمكثت بها، فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا تعيَّت علي المذاهب، فقلت: ألحق بالشام، أو باليمن، أو ببعض البلاد، فوالله إني لفي ذلك من همي، إذ قال ‏لي رجل: ويحك ‏‏!‏‏ إنه والله ما يقتل أحدا من الناس دخل في دينه، وتشهَّد شهادته.  فلما قال لي ذلك، خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه أتشهد بشهادة الحق، فلما رآني قال: أوحشي ‏‏؟‏‏ قلت: نعم يا رسول الله.  قال: اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة، قال: فحدثته كما حدثتكما، فلما فرغت من حديثي، قال: ويحك ‏‏!‏‏ غيِّب عني وجهك، فلا أرينك.  قال: فكنت أتنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان لئلا يراني، حتى قبضه الله، صلى الله عليه وسلم. فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس رأيت مسيلمة الكذاب قائما في يده السيف، وما أعرفه، فتهيأت له، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى، كلانا يريده، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت فيه، وشد عليه الأنصاري فضربه بالسيف، فربك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قتلت شر الناس. 

قال ابن إسحاق: وحدثني عبدالله بن الفضل، عن سليمان بن يسار، عن عبدالله بن عمر بن الخطاب، وكان قد شهد اليمامة، قال: سمعت يومئذ صارخا يقول: قتله العبد الأسود. 

قال ابن هشام: فبلغني أن وحشيا لم يزل يحد في الخمر حتى خلع من الديوان، فكان عمر بن الخطاب يقول: قد علمت أن الله تعالى لم يكن ليدع قاتل حمزة ‏‏.‏

قال ابن إسحاق: وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل، وكان الذي قتله ابن قمئة الليثي، وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع إلى قريش فقال: قتلت محمدا.  فلما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب، وقاتل علي بن أبي طالب ورجال من المسلمين. 

قال ابن هشام: وحدثني مسلمة بن علقمة المازني، قال: لما اشتد القتال يوم أحد، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راية الأنصار، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه: أن قدم الراية.  فتقدم علي، فقال: أنا أبو الفُصَم، - ويقال: أبو القصم فيما قال ابن هشام - فناداه أبو سعد بن أبي طلحة، وهو صاحب لواء المشركين: أن هل لك يا أبا القصم في البراز من حاجة ‏‏؟‏‏ قال: نعم.  فبرزا بين الصفين، فاختلفا ضربتين فضربه علي فصرعه، ثم انصرف عنه ولم يجهز عليه، فقال له أصحابه: أفلا أجهزت عليه ‏‏؟‏‏ فقال: إنه استقبلني بعورته، فعطفتني عنه الرحم، وعرفت أن الله عز وجل قد قتله.  ويقال: إن أبا سعد بن أبي طلحة خرج بين الصفين، فنادى: أنا قاصم، من يبارز برازا، فلم يخرج إليه أحد.  فقال: يا أصحاب محمد، زعمتم أن قتلاكم في الجنة، وأن قتلانا في النار، كذبتم واللات ‏‏!‏‏ لو تعلمون ذلك حقا لخرج إلي بعضكم، فخرج إليه علي بن أبي طالب، فاختلفا ضربتين، فضربه علي فقتله.  وقاتل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، فقتل مسافع بن طلحة، وأخاه الجلاس بن طلحة، كلاهما يشعره سهما، فيأتي أمه سلافة، فيضع رأسه في حجرها فتقول: يا بني، من أصابك ‏‏؟‏‏ فيقول: سمعت رجلا حين رماني وهو يقول: خذها وأنا ابن أبي الأقلح، فنذرت إن أمكنها الله من رأس عاصم، أن تشرب فيه الخمر، وكان عاصم قد عاهد الله أن لا يمس مشركا أبدا، ولا يمسه مشرك.  والتقى حنظلة بن أبي عامر الغسيل وأبو سفيان، فلما استعلاه حنظلة بن أبي عامر رآه شداد بن الأسود، وهو ابن شعوب، وقد علا أبا سفيان.  فضربه شداد فقتله.  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن صاحبكم، يعني حنظلة، لتغسله الملائكة.  فسألوا أهله ما شأنه ‏‏؟‏‏ فسئلت صاحبته عنه.  فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة.  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لذلك غسَّلته الملائكة. 

قال ابن إسحاق: ثم أنزل الله نصره على المسلمين وصدقهم وعده، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر، وكانت الهزيمة لا شك فيها. 

قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن أبيه عباد، عن عبدالله بن الزبير، عن الزبير، أنه قال: والله لقد‏ رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب، ما دون أخذهن قليل ولا كثير، إذ مالت الرماة إلى العسكر، حين كشفنا القوم عنه وخلوا ظهورنا للخيل، فأتينا من خلفنا، وصرخ صارخ: ألا إن محمدا قد قتل، فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحد من القوم. 

قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم: أن اللواء لم يزل صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية، فرفعته لقريش، فلا ثوابه.  وكان اللواء مع صؤاب، غلام لبني أبي طلحة، حبشي، وكان آخر من أخذه منهم، فقاتل به حتى قطعت يداه، ثم برك عليه، فأخذ اللواء بصدره وعنقه حتى قتل عليه، وهو يقول: اللهم هل أعزرت. يقول: أعذرت.

قال ابن إسحاق: وانكشف المسلمون، فأصاب فيهم العدو، وكان يوم بلاء وتمحيص، أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة، حتى خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدُثّ بالحجارة حتى وقع لشقه، فأصيبت رباعيته، وشج في وجهه، وكلمت شفته، وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص. 

قال ابن إسحاق: فحدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وشج في وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه، وجعل يمسح الدم وهو يقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم، وهو يدعوهم إلى ربهم، فأنزل الله عز وجل في ذلك: ‏‏{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} [آل عمران].

قال ابن هشام: وذكر ربيح بن عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري: أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، فكسر رباعيته اليمنى السفلى، وجرح شفته السفلى، وأن عبدالله بن شهاب الزهري شجه في جبهته، وأن ابن قمئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، ووقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون، وهم لا يعلمون، فأخذ علي بن أبي طالب بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما، ومص مالك بن سنان، أبو أبي سعيد الخدري، الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ازدرده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مس دمي دمه لم تصبه النار.

قال ابن هشام: وذكر عبدالعزيز بن محمد الدراوردي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشى على وجه الأرض، فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله.  وذكر، يعني عبدالعزيز الدراوردي، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عيسى بن طلحة، عن عائشة، عن أبي بكر الصديق: أن أبا عبيدة بن الجراح نزع إحدى الحلقتين من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقطت ثنيته، ثم نزع الأخرى، فسقطت ثنيته الأخرى، فكان ساقط الثنيتين. 

قال ابن إسحاق: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشية القوم: مَن رجل يشري لنا نفسه ‏‏؟‏‏ كما حدثني الحصين بن عبدالرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن محمود بن عمرو، قال: فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الأنصار وبعض الناس يقول إنما هو عمارة بن يزيد بن السكن، فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجلا ثم رجلا، يقتلون دونه، حتى كان آخرهم زياد أو عمارة، فقاتل حتى أثبتته الجراحة، ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏‏أدنوه مني، فأدنوه منه، فوسده قدمه، فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

قال ابن هشام: وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد. فذكر سعيد بن أبي زيد الأنصاري: أن أم سعد بنت سعد بن الربيع كانت تقول: دخلت على أم عمارة، فقلت لها: يا خالة، أخبريني خبرك، فقالت خرجت: أول النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس، ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في أصحابه، والدولة والريح للمسلمين.  فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت أباشر القتال، وأذب عنه بالسيف، وأرمي عن القوس، حتى خلصت الجراح إليّ.  قالت: فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور، فقلت: من أصابك بهذا ‏‏؟‏‏ قالت ابن قمئة، أقمأه الله ‏‏!‏‏ لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول: دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير، وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربني هذه الضربة، ولكن فلقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كان عليه درعان. 

قال ابن إسحاق: وترَّس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه، يقع النبل في ظهره، وهو منحن عليه، حتى كثر فيه النبل، ورمي سعد بن أبي وقاص دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سعد: فلقد رأيته يناولني النبل، وهو يقول: ارم فداك أبي وأمي، حتى إنه ليناولني السهم ما له نصل فيقول: ارم به. 

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها، فأخذها قتادة بن النعمان، فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان، حتى وقعت على وجنته. 

قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عيله وسلم ردها بيده، فكانت أحسن عينيه وأحدَّهما. 

قال ابن إسحاق: وحدثني القاسم بن عبدالرحمن بن رافع، أخو بني عدي بن النجار، قال: انتهى أنس ‏بن النضر، عم أنس بن مالك، إلى عمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله، في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم، فقال: ما يجلسكم ‏‏؟‏‏ قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده ‏‏؟‏‏ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم، فقاتل حتى قتل، وبه سمى أنس بن مالك. 

قال ابن إسحاق: فحدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة، فما عرفه إلا أخته، عرفته ببنانه. 

قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم: أن عبدالرحمن بن عوف أصيب فوه يومئذ فهتم، وجرح عشرين جراحة أو أكثر، إصابةٌ بعضها في رجله فعرج. 

قال ابن إسحاق: وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة، وقول الناس: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكر لي ابن شهاب الزهري كعب بن مالك، قال: عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أنصت. 

قال ابن إسحاق: فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به ونهض معهم نحو الشعب، معه أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، رضوان الله عليهم.  والحارث بن الصمة، ورهط من المسلمين.  ‏ قال: فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب ادركة أبي بن خلف وهو يقول: أي محمد، لانجوت إن نجوت، فقال القوم: يا رسول الله، أيعطف عليه رجل منا ‏‏؟‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه، فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، يقول بعض القوم فيما ذكر لي: فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه انتفض بها انتفاضة، تطايرنا بها تطاير الشعراء عن ظهر البعير إذا انتفض بها - قال ابن هشام: الشعراء ذباب له لدغ - ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مراراً. 

قال إسحاق وكان أبيُّ بن خلف، كما حدثني صالح بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف، يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فيقول: يا محمد إن عندي العوذ، فرسا أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليه، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنا أقتلك إن شاء الله.  فلما رجع إلى قريش وقد خدشة في عنقه خدشا غير كبير، فاحتقن الدم، قال: قتلني والله محمد ‏‏!‏‏ قالوا له: ذهب والله فؤادك ‏‏!‏‏ والله إنْ بك من بأس، قال: إنه قد كان قال لي بمكة: أنا أقتلك.  فوالله لو بصق عليَّ لقتلني.  فمات عدو الله بسرف وهم قافلون به إلى مكة. 

قال: فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب، حتى ملأ درقته ماء من المهراس، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشرب منه، فوجد له ريحا، فعافه فلم يشرب منه، وغسل عن وجهه الدم، وصب على رأسه وهو يقول: اشتد غضب الله على من دمَّى وجه نبيه. 

قال ابن إسحاق: فحدثني صالح بن كيسان، عمن حدثه عن سعد بن أبي وقاص، أنه كان يقول: والله ما حرصت على قتل رجل قط كحرصي على قتل ‏عتبة بن أبي وقاص.  وإن كان ما علمت لسيء الخلق مبغضاً فيه قومه، ولقد كفاني منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشتد غضب الله علي من دمَّى وجه رسوله‏‏.‏‏ فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعب، معه أولئك النفر من أصحابه، إذ علت عالية من قريش الجبل. 

قال ابن هشام: كان على تلك الخيل خالد بن الوليد. 

قال ابن إسحاق: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا ‏‏!‏‏ فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل. 

قال ابن إسحاق: ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صخرة من الجبل ليعلوها، وقد كان بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظاهر بين درعين، فلما ذهب لينهض صلى الله عليه وسلم لم يستطع، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله، فنهض به، حتى استوى عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما حدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن أبيه، عن عبدالله بن الزبير، عن الزبير، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يقول: أوجب طلحة حين صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع. 

قال ابن هشام: وبلغني عن عكرمة عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الدرجة المبنية في الشعب.  

قال ابن هشام: وذكر عمر مولى غفرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم أحد قاعدا من الجراح التي أصابته، وصلى المسلمون خلفه قعودا. 

قال ابن إسحاق: وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى بعضهم المنقَّى، دون الأعوص. 

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد، قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد، رفع حسيل بن جابر، وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان، وثابت بن وقش في الآطام مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه.  وهما شيخان كبيران: ما أبا لك، ما تنتظر ‏‏؟‏‏ فوالله لا بقي لواحد منا من عمره إلا ظمء حمار، إنما نحن هامة اليوم أو غد، أفلا نأخذ أسيافنا، ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، لعل الله يرزقنا شهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذا أسيافهما ثم خرجا، حتى دخلا في الناس، ولم يعلم بهما، فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون، وأما حسيل بن جابر، فاختلفت عليه أسياف المسلمين، فقتلوه ولا يعرفونه، فقال حذيفة: أبي، فقالوا: والله إن عرفناه، وصدقوا.  قال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدِّيه، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين، فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا. 

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن رجلا منهم كان يدعى حاطب بن أمية بن رافع، وكان له ابن يقال له: ‏يزيد بن حاطب، أصابته جراحة يوم أحد، فأتي به إلى دار قومه وهو بالموت، فاجتمع إليه أهل الدار، فجعل المسلمون يقولون له من الرجال والنساء: أبشر يابن حاطب بالجنة، قال: وكان حاطب شيخا قد عسا في الجاهلية، فنجم يومئذ نفاقه، فقال: بأي شيء تبشرونه ‏‏؟‏‏ بجنة من حرمل ‏‏!‏‏ غررتم والله هذا الغلام من نفسه. 

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، قال: كان فينا رجل .. يقال له: قزمان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، إذا ذكر له: إنه لمن أهل النار، قال: فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا، فقتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين، وكان ذا بأس، فأثبتته الجراحة، فاحتمل إلى دار بني ظفر، قال: فجعل رجال من المسلمين يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان، فأبشر، قال: بماذا أبشر ‏‏؟‏‏ فوالله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت.  قال: فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهما من كنانته، فقتل به نفسه. 

قال ابن إسحاق: وحدثني الحصين بن عبدالرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن أبي سفيان، مولى ابن أبي أحمد، عن أبي هريرة قال: كان يقول: حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط، فإذا لم يعرفه الناس، سألوه: من هو ‏‏؟‏‏ فيقول: أصيرم من بني عبدالأشهل، عمرو بن ثابت بن وقش.  قال الحصين: فقلت لمحمود بن أسد: كيف كان شأن الأصيرم ‏‏؟‏‏ قال: كان يأبى الإسلام على قومه.  فلما كان يوم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد، بدا له في الإسلام فأسلم، ثم أخذ سيفه فعدا حتى دخل في عرض الناس، فقاتل حتى أثبتته الجراحة.  وقال فبينا رجال من بني عبدالأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به، فقالوا: والله إن هذا للأصيرم، ما جاء به ‏‏؟‏‏ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث، فسألوه ما جاء به، فقالوا: ما جاء بك يا عمرو ‏‏؟‏‏ أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام ‏‏؟‏‏ قال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله وبرسوله وأسلمت، ثم أخذت سيفي، فغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني، ثم لم يلبث أن مات في أيديهم.  فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه لمن أهل الجنة. 

قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يسار، عن أشياخ من بني سلمة: أن عمرو بن الجموح كان رجلا أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل الأسد، يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه، وقالوا له: إن الله عز وجل قد عذرك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال إن بنيَّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه، والخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك، وقال لبنيه: ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة فخرج معه فقتل يوم أحد. 

قال ابن إسحاق: ووقعت هند بنت عتبة، كما حدثني صالح بن كيسان، والنسوة اللاتي معها، يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدعن الآذان والأنف، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وآنفهم خدما وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشيا، غلام جبير بن مطعم، وبقرت عن كبد حمزة، فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها. ثم إن أبا سفيان بن حرب، حين أراد الانصراف، أشرف على الجبل، ثم صرخ بأعلى صوته فقال: أنعمت فعال، وإن الحرب سجال يوم بيوم، أعل هبل، أي أظهر دينك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا عمر فأجبه، فقل: الله أعلى وأجل، لا سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار.  فلما أجاب عمر أبا سفيان، قال له أبو سفيان: هلم إلي يا عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: ائته فانظر ما شأنه، فجاءه، فقال له أبو سفيان: أنشدك الله يا عمر، أقتلنا محمدا ‏‏؟‏‏ قال عمر: اللهم لا، وإنه ليسمع كلامك الآن، قال: أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر، لقول ابن قمئه لهم: إني قد قتلت محمدا. 

قال ابن إسحاق: ثم نادى أبو سفيان: إنه قد كان في قتلاكم مُثلة، والله ما رضيت، وما سخطت، وما نهيت، وما أمرت.  ولما انصرف أبو سفيان ومن معه، نادى: إن موعدكم بدر للعام القابل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه: قل: نعم، هو بيننا وبينكم موعد.  ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، فقال: أخرج في آثار القوم، فانظر ماذا يصنعون وما يريدون فإن كانوا قد جنبوا الخيل، وامتطوا الإبل، فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل، فإنهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده، لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها، ثم لأناجزنهم.  قال علي: فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون، فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل، ووجهوا إلى مكة.  وفرغ الناس لقتلاهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما حدثني محمد بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة المازني، أخو بني النجار: مَن رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع ‏‏؟‏‏ أفي الأحياء هو أم في الأموات ‏‏؟‏‏ فقال رجل من الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد، فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق.  قال: فقلت له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات ‏‏؟‏‏ قال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام.  وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وأبلغ قومك عني السلام.  وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خُلص إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم ومنكم عين تطرف.  قال: ثم لم أبرح حتى مات.  قال: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره. 

قال ابن هشام: وحدثني أبو بكر الزبيري: أن رجلا دخل على أبي بكر الصديق، وبنت لسعد بن الربيع جارية صغيرة على صدره يرشفها ويقبلها، فقال له الرجل: من هذه ‏‏؟‏‏ قال: هذه بنت رجل خير مني، سعد بن الربيع، وكان من النقباء يوم العقبة، وشهد بدرا، واستشهد يوم أحد. 

قال ابن إسحاق: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بلغني، يلتمس حمزة بن ‏عبدالمطلب، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده، ومثل به، فجدع أنفه وأذناه.  فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى ما رأى: لولا أن تحزن صفية، ويكون سنّة من بعدي لتركته، حتى يكون في بطون السباع، وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن، لأمثلن بثلاثين رجلا منهم.  فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب. 

قال ابن هشام: ولما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة قال: لن أصاب بمثلك أبدا ‏‏!‏‏ ما وقفت موقفا قط أغيظ إلي من هذا، ثم قال: جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة بن عبدالمطلب مكتوب في أهل السماوات السبع: حمزة بن عبدالمطلب، أسد الله، وأسد رسوله.  وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة وأبو سلمة بن عبدالأسد، أخوة من الرضاعة، أرضعتهم مولاة لأبي لهب. 

قال ابن إسحاق: وحدثني بريدة ابن سفيان بن فروة الأسلمي، عن محمد بن كعب القرظي، وحدثني من لا أتهم، عن ابن عباس: أن الله عز وجل أنزل في ذلك، من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول أصحابه: ‏‏{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127)} [النحل].‏‏ فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصبر ونهى عن المثلة. 

قال ابن إسحاق: وحدثني حميد الطويل، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، قال: ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه، حتى يأمرنا بالصدقة، وينهانا عن المُثلَة. 

قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن مقسم، مولى عبدالله بن الحارث، عن ابن عباس، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجي ببردة ثم صلى عليه، فكبر سبع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى فيوضعون إلى حمزة، فصلى عليهم وعليه معهم، حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة. 

قال ابن إسحاق: وقد أقبلت فيما بلغني، صفية بنت عبدالمطلب لتنظر إليه، وكان أخاها لأبيها وأمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام: القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها، فقال لها: يا أمه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، قالت: ولِمَ ‏‏؟‏‏ وقد بلغني أن قد مُثِّل بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك ‏‏!‏‏ لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله.  فلما جاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، قال: خل سبيلها، فأتته، فنظرت إليه، فصلت عليه، واسترجعت، واستغفرت له، ثم أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن. قال: فزعم لي آل عبدالله بن جحش - وكان لأميمة بنت عبدالمطلب، حمزة خاله، وقد كان مثل به كما مثل بحمزة، إلا أنه لم يبقر عن كبده - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفنه مع حمزة في قبره، ولم أسمع ذلك إلا عن أهله.

قال ابن إسحاق: وكان قد احتمل ناس من المسلمين قتلاهم إلى المدينة، فدفنوهم بها، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: ادفنوهم حيث صرعوا. 

قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عبدالله ابن ثعلبة بن صعير العذري، حليف بني زهرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على القتلى يوم أحد، قال: أنا شهيد على هؤلاء، إنه ما من جريح يجرح في الله، إلا والله يبعثه يوم القيامة يدمي جرحه، اللون لون دم والريح ريح مسك، انظروا أكثر هؤلاء جمعا للقرآن، فاجعلوه أمام أصحابه في القبر، وكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة في القبر الواحد.  قال: وحدثني عمي موسى بن يسار، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ما من جريح يجرح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة وجرحه يدمي، اللون لون دم، والريح ريح مسك. 

قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يسار، عن أشياخ من بني سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يومئذ، حين أمر بدفن القتلى: انظروا إلى عمرو بن الجموح، وعبدالله بن عمرو بن حرام، فإنهما كانا متصافيين في الدنيا، فاجعلوهما في قبر واحد. 

قال ابن إسحاق: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة، فلقيته حمنة بنت جحش، كما ذكر لي، فلما لقيت الناس نعي إليها أخوها عبدالله بن جحش، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها خالها حمزة بن عبدالمطلب فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير، فصاحت وولولت ‏‏!‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن زوج المرأة منها لبمكان ‏‏!‏‏ لما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها، وصياحها على زوجها. 

قال ابن إسحاق: وحدثني عبدالواحد بن أبي عون، عن إسماعيل بن محمد، عن سعد بن أبي وقاص، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، فلما نعوا لها، قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏؟‏‏ قالوا: خيرا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه ‏‏؟‏‏ قال: فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل ‏‏!‏‏ تريد صغيرة. 

قال ابن إسحاق: فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة، فقال اغسلي عن هذا دمه يا بُنيَّة، فوالله لقد صدقني اليوم، وناولها علي بن أبي طالب سيفه، فقال: وهذا أيضاً، فاغسلي عنه دمه، فوالله لقد صدقني اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن كنت صدقت القتال لقد صدق معك سهل بن حنيف وأبو دجانة. 

قال ابن هشام: وكان يقال لسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذو الفقار. 

قال ابن إسحاق: فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال، أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو، فأذن مؤذنه أن لا يخرجن معنا أحد إلا أحد حضر يومنا بالأمس.  فكلمه جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام، فقال: يا رسول الله، إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع، وقال: يا بني إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي، فتخلف على أخواتك، فتخلفت عليهن.  فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج معه.  وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو، وليبلغهم أنه خرج في طلبهم، ليظنوا به قوة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم. 

قال ابن إسحاق: فحدثني عبدالله بن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان: أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من بني عبدالأشهل، كان شهد أحداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: شهدت أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا وأخ لي، فرجعنا جريحين، فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو، قلت لأخي أو قال لي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏؟‏‏ والله ما لنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أيسر جرحا، فكان إذا غلب حملته عقبة، ومشى عقبة، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون. 

قال ابن إسحاق: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد، وهي من المدينة على ثمانية أميال.

قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.

قال ابن إسحاق: فأقام بها الإثنين والثلاثاء والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة. قال‏‏:‏‏ وقد مر به كما حدثني عبدالله بن أبي بكر، معبد بن أبي معبد الخزاعي، وكانت خزاعة، مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بتهامة، صفقتهم معه، لا يخفون عنه شيئا كان بها، ومعبد يومئذ مشرك، فقال: يا محمد، أما والله لقد عز علينا ما أصابك، ولوددنا أن الله عافاك فيهم، ثم خرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد، حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء، وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقالوا: أصبنا أحَدَّ أصحابه وأشرافهم وقادتهم، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم ‏‏!‏‏ لنكرن على بقيتهم، فلنفرغن منهم، فلما رأى أبو سفيان معبدا، قال: ما وراءك يا معبد ‏‏؟‏‏ قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط، قال: ويحك ‏‏!‏‏ ما تقول ‏‏؟‏‏ قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى أرى نواصي الخيل، قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم، قال: فإني أنهاك عن ذلك، ومر به ركب من عبدالقيس، فقال: أين تريدون ‏‏؟‏‏ قالوا: نريد المدينة ‏‏؟‏‏ قال: ولم ‏‏؟‏‏ قالوا: نريد الميرة، قال: فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها إليه، وأحمل لكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتموها ‏‏؟‏‏ قالوا: نعم قال، فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم، فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل. 

قال ابن هشام: حدثنا أبو عبيدة: أن أبا سفيان بن حرب لما ‏انصرف يوم أحد، أراد الرجوع إلى المدينة، ليستأصل بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم صفوان بن أمية بن خلف: لا تفعلوا، فإن القوم قد حَرِبُوا، وقد خشينا أن يكون لهم قتال غير الذي كان، فارجعوا، فرجعوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد، حين بلغه أنهم هموا بالرجعة: والذي نفسي بيده، لقد سومت لهم حجارة، لو صُبِّحوا بها لكانوا كأمس الذاهب. 

قال ابن إسحاق: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان عبدالله بن أبي بن سلول، كما حدثني ابن شهاب الزهري، له مقام يقومه كل جمعة لا يُنْكَر، شرفا له في نفسه وفي قومه، وكان فيهم شريفا، إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يخطب الناس، قام فقال: أيها الناس هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم، أكرمكم الله وأعزكم به، فانصروه وعزروه، واسمعوا له وأطيعوا، ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع، ورجع بالناس، قام يفعل ذلك كما كان يفعله، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه، وقالوا: اجلس، أي عدو الله، لست لذلك بأهل وقد صنعت ما صنعت، فخرج يتخطى رقاب الناس، وهو يقول: والله لكأنما قلت بجرا، إن قمت أشدد أمره.  فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد، فقال: مالك ‏‏؟‏‏ ويلك ‏‏!‏‏ قال: قمت أشدد أمره، فوثب علي رجال من أصحابه يجذبونني ويعنفونني، لكأنما قلت بجرا أن قمت أشدد أمره، قال: ويلك ‏‏!‏‏ ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله ما أبتغي أن يستغفر لي. 

قال ابن إسحاق: كان يوم أحد يوم بلاء ومصيبة وتمحيص، اختبر الله به المؤمنين، ومحن به المنافقين، ممن كان يظهر الإيمان بلسانه، وهو مستخف بالكفر في قلبه، ويوما أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته.

زواج النبي (ص) من حفصة بنت عمر

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن حسين بن أبي حسين قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة في شعبان على رأس ثلاثين شهرا قبل أحد.

قلت: تزوجها في السنة الثالثة للهجرة.

قال ابن إسحاق: وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب، زوجه إياها أبوها عمر بن الخطاب، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم، وكانت قبله عند خنيس بن حذافة السهمي.

وقال الطبري: وفي هذه السنه تزوج النبي ص حفصة بنت عمر في شعبان، وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمي في الجاهلية، فتوفي عنها.

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرا، توفي بالمدينة - قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها.

غزوة بحران

قال ابن إسحاق: ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد قريشا.

قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.

قال ابن إسحاق: حتى بلغ بحران، معدنا بالحجاز من ناحية الفرع، فأقام بها شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا.

قلت: وابن سعد يقول بأن غزوة بحران كانت على بني سليم، قال ابن سعد: ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بني سليم ببحران، لست خلون من جمادى الأولى على رأس سبعة وعشرين شهرا من مهاجره .. وذلك أنه بلغه أن بها جمعا من بني سليم كثيرا، فخرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه، واستخلف على المدينة ابن أم المكتوم، وأغذ السير حتى ورد بحران، فوجدهم قد تفرقوا في مياههم، فرجع ولم يلق كيدا.



خبر كعب بن الأشرف لعنه الله

قال ابن إسحاق: وكان من حديث كعب بن الأشرف: أنه لما أصيب أصحاب بدر، وقدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة، وعبدالله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين، بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله عز وجل عليه، وقتل من قتل من المشركين، كما حدثني عبدالله بن المغيث بن أبي بردة الظفري، وعبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعاصم بن عمر بن قتادة، وصالح بن أبي أمامة بن سهل، كل قد حدثني بعض حديثه، قالوا: قال كعب بن الأشرف، وكان رجلاً من طيىء، ثم أحد بني نبهان، وكانت أمه من بني النضير، حين بلغه الخبر: أحق هذا ‏‏؟‏‏ أترون محمدا قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان - يعني زيدا وعبدالله بن رواحة - فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس، والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم، لبطن الأرض خير من ظهرها. ‏فلما تيقن عدو الله الخبر، خرج حتى قدم مكة، فنزل على المطلب بن أبي وداعة بن ضبيرة السهمي، وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، فأنزلته وأكرمته، وجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينشد الأشعار، ويبكي أصحاب القليب من قريش، الذين أصيبوا ببدر، ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كما حدثني عبدالله بن المغيث بن أبي بردة، من لي بابن الأشرف ‏‏؟‏‏ فقال له محمد بن مسلمة، أخو بني عبدالأشهل، أنا لك به يا رسول الله، أنا أقتله، قال: فافعل إن قدرت على ذلك. فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق به نفسه، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه، فقال له: لم تركت الطعام والشراب ‏‏؟‏‏ فقال: يا رسول الله قلت لك قولا لا أدري هل أفين لك به أم لا ‏‏؟‏‏ فقال: إنما عليك الجهد، فقال: يا رسول الله إنه لا بد لنا من أن نقول: قال: قولوا ما بدا لكم، فأنتم في حل من ذلك. فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامة بن وقش، وهو أبو نائلة أحد بني عبدالأشهل، وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة، وعباد بن بشر بن وقش، أحد بني عبدالأشهل، والحارث بن أوس بن معاذ، أحد بني عبدالأشهل، وأبو عبس بن جبر، أحد بني حارثة. ثم قدموا إلى عدو الله كعب بن الأشرف، قبل أن يأتوه، سلكان بن سلامة، أبا نائلة، فجاءه، فتحدث معه ساعة، وتناشدوا شعرا، وكان أبو نائلة يقول الشعر، ثم قال: ويحك يابن الأشرف ‏‏!‏‏ إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك، فاكتم عني، قال: افعل، قال: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء، عادتنا به العرب، ورمتنا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال، وجهدت الأنفس، وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا، قال كعب: أنا ابن الأشرف، أما والله لقد كنت أخبرك يابن سلامة، إن الأمر سيصير إلى ما أقول، فقال له سلكان: إني قد أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك، ونحسن في ذلك، فقال: اترهنوني أبناءكم‏‏؟‏‏ قال: لقد أردت أن تفضحنا، إن معي أصحابا لي على مثل رأي، وقد أردت أن آتيك بهم، فتبيعهم وتحسن في ذلك، ونرهنك في الحلقة ما فيه وفاء، وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاءوا بها؛ قال: إن في الحلقة لوفاء، قال: فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره، وأمرهم أن يأخذوا السلاح، ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه، فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. ‏

قال ابن إسحاق: فحدثني ثور بن يزيد، عن عكرمة عن ابن عباس قال: مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد، ثم وجههم، فقال: انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، وهو في ليلة مقمرة، وأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه، فهتف به أبو نائلة، وكان حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفته، فأخذته امرأته بناحيتها، وقالت: إنك امرؤ مُحارَب، وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة، قال: إنه أبو نائلة، لو وجدني نائما لما أيقظني، فقالت: والله إني لأعرف في صوته الشر، قال: يقول لها كعب: لو يدعى الفتى لطعنة لأجاب. فنزل فتحدث معهم ساعة، وتحدثوا معه، ثم قال: هل لك يا بن الأشرف أن تتماشى إلى الشعب العجور، فنتحدث به بقية ليلتنا هذه ‏‏؟‏‏ قال: إن شئتم. فخرجوا يتماشون، فمشوا ساعة، ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه، ثم شم يده فقال: ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط، ثم مشى ساعة، ثم عاد لمثلها حتى اطمأن، ثم مشى ساعة، ثم عاد لمثلها، فأخذ بفود رأسه، ثم قال: اضربوا عدو الله، فضربوه فاختلف عليه أسيافهم، فلم تغن شيئا. قال محمد بن مسلمة: فذكرت مغولا في سيفي، حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا، فأخذته، وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا وقد أوقدت عليه نار، قال: فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته، فوقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ، فجرح في رأسه أو في رجله، أصابه بعض أسيافنا. قال: فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد، ثم على بني قريظة، ثم على بعاث، حتى أسندنا في حرة العريض، وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس، ونزَّفه الدم، فوقفنا له ساعة، ثم أتانا يتبع آثارنا. قال: فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل، وهو قائم يصلي، فسلمنا عليه، فخرج إلينا، فأخبرناه بقتل عدو الله، وتفل على جرح صاحبنا، فرجع ورجعنا إلى أهلنا، فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله، فليس بها يهودي إلا وهو يخاف على نفسه. 

غزوة ذي أمر

قال ابن إسحاق: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق، أقام بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريبا منها، ثم غزا نجدا، يريد غطفان، وهي غزوة ذي أمر.

قال ابن هشام: واستعمل على المدينة عثمان بن عفان.

قال ابن سعد: ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، غطفان إلى نجد، وهي: ذو أمر، ناحية النخيل .. وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن جمعا من بني ثعلبة ومحارب بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم، جمعهم رجل منهم يقال له دعثور بن الحارث من بني محارب، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم، المسلمين وخرج لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في أربعمائة وخمسين رجلا، ومعهم أفراس، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان، فأصابوا رجلا منهم بذي القصة يقال له جبار من بني ثعلبة، فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره من خبرهم وقال: لن يلاقوك لو سمعوا بمسيرك هربوا في رؤوس الجبال وأنا سائر معك، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الإسلام فأسلم، وضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى بلال ولم يلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدا إلا أنه ينظر إليهم في رؤوس الجبال، وأصاب رسول الله وأصحابه مطر، فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثوبيه ونشرهما ليجفا وألقاهما على شجرة واضطجع، فجاء رجل من العدو يقال له دعثور بن الحارث ومعه سيف حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من يمنعك مني اليوم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله. ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن إسحاق: فأقام بنجد صفْراً كله أو قريبا من ذلك، ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق كيدا، فلبث بها شهر ربيع الأول كله، أو إلا قليلا منه.

قلت: وزعم ابن سعد أن وقعة ذا أمر، في شهر ربيع الأول، وهو وهمٌ شنيع منه، والصواب ما قاله ابن إسحاق، والدليل على ذلك، أن ابن سعد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم، شيَّع  محمد بن مسلمة وأصحابه لقتل كعب بن الأشرف، في اليوم الرابع عشر من شهر ربيع الأول، وهذا يعني أنه كان ذلك اليوم في المدينة، وانتظرهم حتى قدموا عليه، بينما يذكر أن مسير النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي مرّ، كانت في اليوم الثاني عشر من الشهر المذكور، وهذا يعني أنه يتوجّب أن لا يكون النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة يوم الرابع عشر. 


غزوة السويق

قال ابن هشام‏‏:‏‏ حدثنا زياد بن عبدالله البكائي، عن محمد بن إسحاق المطلبي، قال: ثم غزا أبو سفيان بن حرب غزوة السويق في ذي الحجة، وولىَّ تلك الحجة المشركون من تلك السنة، فكان أبو سفيان كما حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، ويزيد بن رومان، ومن لا أتهَّم، عن عبدالله بن كعب بن مالك، وكان من أعلم الأنصار، حين رجع إلى مكة، ورجع فل قريش من بدر، نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا صلى الله عليه وسلم، فخرج في مئتي ركاب من قريش، ليبر يمينه، فسلك النجدية، حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له: ثيب، من المدينة على بريد أو نحوه، ثم خرج من الليل، حتى أتى بني النضير تحت الليل، فأتى حيي بن أخطب، فضرب عليه بابه، فأبى أن يفتح له بابه وخافه، فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم، وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم، فاستأذن عليه، فأذن له، فقراه وسقاه، وبطن له من خبر الناس، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه، فبعث رجالا من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية منها، يقال لها: العريض، فحرقوا في أصوار من نخل بها، ووجدوا بها رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما، فقتلوهما، ثم انصرفوا راجعين، ونذر بهم الناس. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم، واستعمل على المدينة بشير بن عبدالمنذر، وهو أبو لبابة، فيما قال ابن هشام: حتى بلغ قرقرة الكدر ثم انصرف راجعا، وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، وقد رأوا أزواداً من أزواد القوم قد طرحوها في الحرث يتخففون منها للنجاء، فقال المسلمون، حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أتطمع لنا أن تكون غزوة ‏‏؟‏‏ قال: نعم.

قال ابن هشام: وإنما سميت غزوة السويق، فيما حدثني أبو عبيدة: أن أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق، فهجم المسلمون على سويق كثير، فسميت غزوة السويق.

 


وقعة بني قينقاع

قال ابن إسحاق: وقد كان فيما بين ذلك .. أمر بني قينقاع، وكان من حديث بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قينقاع ثم قال: يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم، قالوا: يا محمد، إنك ترى أنَّا قومك ‏‏!‏‏ لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنَّا نحن الناس. 

قال ابن إسحاق: فحدثني مولى لآل زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير، أو عن عكرمة عن ابن عباس، قال: ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} أي: أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش.{فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ (13)} [آل عمران].

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربوا فيما بين بدر وأحد. 

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، قال: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبدالله بن أبي بن سلول، حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد، أحسن في موالي، وكانوا حلفاء الخزرج، قال: فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، أحسن في موالي، قال: فأعرض عنه. فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

قال ابن إسحاق: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلني، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظُللا، ثم قال: ويحك أرسلني، قال لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، إني والله امرؤ أخشى الدوائر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم لك. 

قال ابن هشام: واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة في محاصرته إياهم بشير بن عبدالمنذر، وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة ‏‏.‏

قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال‏‏:‏‏ لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشبث بأمرهم عبدالله بن أبي بن سلول، وقام دونهم. ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أحد بني عوف، لهم من حلفه مثل الذي لهم من عبدالله بن أبي، فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرأ إلى الله عز وجل، إلى رسوله صلى الله عليه وسلم من حلفهم، وقال: يا رسول الله أتولى الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم، قال: ففيه وفي عبدالله بن أبي نزلت هذه القصة من المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}‏‏ أي: لعبدالله بن أبي، وقوله: إني أخشى الدوائر. ‏‏{‏‏فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} .. ثم القصة إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} وذكر لتولي عبادة بن الصامت الله ورسوله والذين آمنوا، وتبرئه من بني قينقاع وحلفهم وولايتهم: ‏‏{وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)} [المائدة].