مرضعات النبي (ص)

عن أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: يا رسول الله أنكح أختي بنت أبي سفيان - ولمسلم: عزة بنت أبي سفيان - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو تحبين ذلك؟ قلت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن ذلك لا يحل لي. قالت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة - وفي رواية: درة بنت أبي سلمة - قال: بنت أم سلمة. قلت: نعم. قال: إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن عليَّ بناتكن ولا أخواتكن.

رواه البخاري ومسلم.

وثويبة مولاة لأبي لهب، عمّ النبي صلى الله عليه وسلم، أعتقها لما بشّرته بميلاد ابن أخيه عبدالله، فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال محمد بن إسحاق:  فاسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر، يقال لها: حليمة ابنة أبي ذؤيب، وأبو ذؤيب: عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان. واسم أبيه الذي أرضعه صلى الله عليه وسلم: الحارث بن عبد العزى بن رفاعة ابن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن، وإخوته من الرضاعة: عبد الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة بنت الحارث، وهي الشيماء، غلب ذلك على اسمها فلا تعرف في قومها إلا به. وهم لحليمة بنت أبي ذؤيب، عبد الله بن الحارث، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكرون أن الشيماء كانت تحضنه مع أمها إذا كان عندهم.

قال ابن إسحاق: وحدثني جهم بن أبي جهم مولى الحارث بن حاطب الجمحي، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. أو عمن حدثه عنه قال: كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية. أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته، تحدث: أنها خرجت من بلدها مع زوجها، وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء، قالت: وذلك في سنة شهباء، لم تبق لنا شيئا. قالت: فخرجت على أتان لي قمراء، معنا شارف لنا، والله ما نبض بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديي ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغديه، ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج فخرجت على أتاني تلك فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، إذا قيل لها إنه يتيم، وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم! وما عسى أن تصنع أمه وجده! فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، قال: لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. قالت: فذهبت إليه فأخذته، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره. قالت: فلما أخذته، رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا إنها لحافل، فحلب منها ما شرب، وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا، فبتنا بخير ليلة. قالت: يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذت نسمة مباركة، قالت: فقلت: والله إني لأرجو ذلك. قالت: ثم خرجنا وركبت أنا أتاني، وحملته عليها معي، فو الله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شيء من حمرهم، حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا بنة أبي ذؤيب، ويحك! اربعي علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله، إنها لهي هي، فيقلن: والله إن لها لشأنا. قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعا لبنا، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعا لبنا. فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا. قالت: فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته. فكلمنا أمه وقلت لها: لو تركت بني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وبأ مكة، قالت: فلم نزل بها حتى ردته معنا. قالت: فرجعنا به، فو الله إنه بعد مقدمنا به بأشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا، إذ أتانا أخوه يشتد، فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه، فشقا بطنه، فهما يسوطانه. قالت: فخرجت أنا وأبوه نحوه، فوجدنا قائما منتقعا وجهه. قالت: فالتزمته والتزمه أبوه، فقلنا له: مالك يا بني، قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاني وشقا بطني، فالتمسا فيه شيئا لا أدري ما هو. قالت: فرجعنا به إلى خبائنا. قالت: وقال لي أبوه يا حليمة، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به، قالت: فاحتملناه، فقدمنا به على أمه، فقالت: ما أقدمك به يا ظئر وقد كنت حريصة عليه، وعلى مكثه عندك؟ قالت: فقلت: قد بلغ الله بابني وقضيت الذي علي، وتخوفت الأحداث، عليه، فأديته إليك كما تحبين، قالت: ما هذا شأنك، فاصدقيني خبرك. قالت: فلم تدعني حتى أخبرتها. قالت: أفتخوفت عليه الشيطان؟ قالت: قلت نعم، قالت: كلا، والله ما للشيطان عليه من سبيل، وإن لبني لشأنا، أفلا أخبرك خبره، قالت: قلت: بلى، قالت: رأيت حين حملت به، أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام، ثم حملت به، فو الله ما رأيت من حمل قط كان أخف علَي ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض، رافع رأسه إلى السماء، دعيه عنك وانطلقي راشدة.

مولد النبي (ص)

قال محمد بن إسحاق: ثم لم يلبث عبد الله بن عبد المطلب، أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن هلك، وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل به.

وعن أبي قتادة أن أعرابيا قال: يا رسول الله ما تقول في صوم يوم الاثنين؟ فقال: "ذاك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه".

رواه مسلم.

وعن جابر بن عبدالله وعبدالله بن عباس أنهما قالا: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثامن عشر من شهر ربيع الأول، وفيه بُعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات.

رواه ابن ابي شيبة.

قال ابن إسحاق: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، عام الفيل.

قلت: وهذه الاختلافات من أوهام الرواة، فالله أعلم، في أيّ يوم ولد رسول الله، ولكن الإجماع على أنه ولد في ربيع الأول.

نسب النبي (ص)

روى عبدالملك بن هشام، في السيرة النبوية، وهشام بن محمد بن السائب الكلبي، في جمهرة النسب، ومصعب بن عبدالله الزبيري، في نسب قريش، والزبير بن بكّار القرشي، في جمهرة نسب قريش وأخبارها، وغيرهم، أن النبي محمد (ص) هو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.

وكنيته: أبو القاسم.

وعن واثلة بن الأسقع، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".

رواه مسلم.

فالنبي صلى الله عليه وسلم، خِيَارٌ من خِيَار.

وهذا الاصطفاء، لم يقع لأن أقوام النبي صلى الله عليه وسلم خلقوا من غير طينة البشر، ولا أنه تجري في عروقهم دماء زرقاء، بل لما تعارفوا عليه وعوّدوا أنفسهم من حُسْن الأخلاق، ودماثة الطبع، وليونة الجانب، ثم قريشاً خاصَّة، هم ولاة بيت الله الحرام.