زواج النبي من زينب بنت جحش

قال ابن إسحاق: وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية، زوجه إياها أخوها أبو أحمد بن جحش، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم، وكانت قبله عند زيد بن حارثة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيها أنزل الله تبارك وتعالى: فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ٣٣: ٣٧

قال الطبري: قال محمد بن عمر: حدثنى عمر بن عثمان الجحشى، عن ابيه، قال: قدم النبي ص المدينة، وكانت زينب ابنه جحش ممن هاجر مع رسول الله ص، وكانت امراه جميله، فخطبها رسول الله ص على زيد ابن حارثة، فقالت: يا رسول الله لا ارضاه لنفسي، وانا ايم قريش، قال: فانى قد رضيت لك، فتزوجها زيد بن حارثة. قال ابن عمر: وحدثنى عبد الله بن عامر الأسلمي، عن محمد بن يحيى ابن حبان: قال: جاء رسول الله ص بيت زيد بن حارثة يطلبه، وكان زيد إنما يقال له: زيد بن محمد، فربما فقده رسول الله الساعة، فيقول: أين زيد؟ فجاء منزله يطلبه فلم يجده، وتقوم اليه زينب، فتقول: هاهنا يا رسول الله فولى يهمهم بشيء لا يكاد يفهم منه الا سبحان الله العظيم، سبحان الله مصرف القلوب، فجاء زيد إلى منزله، فأخبرته امرأته أن رسول الله ص أتى منزله، فقال زيد: ألا قلت له: يدخل! قالت: قد عرضت ذلك عليه وابى، قال: فسمعتيه يقول شيئا؟ قالت: سمعته حين ولى يكلم بكلام لا افهمه وسمعته يقول: سبحان الله العظيم، سبحان مصرف القلوب! قال: فخرج زيد حتى اتى رسول الله ص، فقال: يا رسول الله، انه بلغني أنك جئت منزلي، فهلا دخلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله! لعل زينب أعجبتك فأفارقها، فيقول رسول الله: أمسك عليك زوجك، فما استطاع زيد إليها سبيلا بعد ذلك، وياتى رسول الله ص فيخبره، فيقول: امسك عليك زوجك، فيقول: يا رسول الله أفارقها، فيقول رسول الله: احبس عليك زوجك، ففارقها زيد واعتزلها وحلت قال: فبينا رسول الله ص يتحدث مع عائشة الى ان أخذت رسول الله ص غميه فسرى عنه وهو يبتسم وهو يقول: من يذهب الى زينب يبشرها ان الله عز وجل زوجنيها من السماء، وتلا رسول الله ص: وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه القصة كلها. قالت عائشة: وأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغنا من جمالها، وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها ما صنع لها، زوجها الله عز وجل من السماء وقلت: هي تفخر علينا بهذا. قالت عائشة: فخرجت سلمى خادم رسول الله ص تشتد، فتحدثها بذلك، وأعطتها اوضاحا عليها. قال: وحدثنى عمر بن عثمان بن عبد الله الجحشى، عن ابيه قال: تزوج رسول الله ص زينب بنت جحش لهلال ذي القعده سنه خمس من الهجره.

وقال الطبري: حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان النبي ص قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ابنه عمته، فخرج رسول الله ص يوما يريده، وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فانكشف وهي في حجرتها حاسره، فوقع إعجابها في قلب النبي ص، فلما وقع ذلك كُرِّهَت إلى الآخر، قال: فجاء فقال: يا رسول الله، إني أريد أن أفارق صاحبتي، فقال: مالك! أرابك منها شيء! فقال: لا والله يا رسول الله، ما رابني منها شيء، ولا رأيت إلا خيرا فقال له رسول الله ص: أمسك عليك زوجك واتق الله، فذلك قول الله عز وجل: «وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه» ، تخفى في نفسك ان فارقها تزوجتها.

وعن أنس بن مالك قال: لما تزوج رسول الله ﷺ زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا وجلسوا يتحدثون، فإذا هو يتهيأ للقيام فلم يقوموا. فلما رأى ذلك قام، فلما قام، قام من قام، وقعد ثلاثة نفر، وجاء النبي ﷺ ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقوا، فجئت فأخبرت النبي ﷺ أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي...} الآية.

رواه البخاري ومسلم.

وعن أنس بن مالك قال: بُني على النبي ﷺ بزينب بنت جحش بخبز ولحم، فأرسلت على الطعام داعيا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه، فقلت: يا نبي الله ما أجد أحدا أدعوه، قال: «ارفعوا طعامكم». وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت، فخرج النبي ﷺ فانطلق إلى حجرة عائشة، فقال: «السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته» قالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، كيف وجدت أهلك بارك الله لك؟ فتقرَّى حجر نسائه كلهن، ويقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة. ثم رجع النبي ﷺ فإذا رهط ثلاثة في البيت يتحدثون، وكان النبي ﷺ شديد الحياء، فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة، فما أدري أخبرته أم أخبر أن القوم خرجوا، فخرج حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب، وأخرى خارجه أرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب.

رواه البخاري.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو المظفر، حدثنا جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عثمان اليشكري، عن أنس بن مالك قال: أعرس رسول الله ﷺ ببعض نسائه، فصنعت أم سليم حيسا، ثم حطته في ثور فقالت: اذهب إلى رسول الله ﷺ وأخبره إن هذا منا له قليل. قال أنس: والناس يومئذ في جهد، فجئت به فقلت: يا رسول الله بعثت بهذا أم سليم إليك، وهي تقرئك السلام وتقول: إن هذا منا له قليل، فنظر إليه ثم قال: ضعه في ناحية البيت. ثم قال: اذهب فادع لي فلانا وفلانا» فسمى رجالا كثيرا. قال: ومن لقيت من المسلمين، فدعوت من قال لي، ومن لقيت من المسلمين، فجئت والبيت والصفة والحجرة ملاء من الناس، فقلت: يا أبا عثمان كم كانوا؟ قال: كانوا زهاء ثلث مائة. قال أنس: فقال لي رسول الله ﷺ: جيء فجئت به إليه، فوضع يده عليه، ودعا، وقال ما شاء الله، ثم قال: ليتلحق عشرة عشرة ويسموا، وليأكل كل أنسان مما يليه، فجعلوا يسمون، ويأكلون، حتى أكلوا كلهم. فقال لي رسول الله ﷺ: ارفعه. قال: فجئت فأخذت الثور، فنظرت فيه فلا أدري أهو حين وضعته أكثر أم حين رفعته؟ قال: وتخلف رجال يتحدثون في بيت رسول الله ﷺ، وزوج رسول الله ﷺ التي دخل بها معهم، مولية وجهها إلى الحائط، فأطالوا الحديث، فشقوا على رسول الله ﷺ، وكان أشد الناس حياء، ولو علموا كان ذلك عليهم عزيزا. فقام رسول الله ﷺ فسلم على حجره وعلى نسائه، فلما رأوه قد جاء ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه ابتدروا الباب، فخرجوا وجاء رسول الله ﷺ حتى أرخى الستر، ودخل البيت وأنا في الحجرة، فمكث رسول الله ﷺ في بيته يسيرا، وأنزل الله القرآن فخرج وهو يقرأ هذه الآية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيما } [الأحزاب: 53-54] . قال أنس: فقرأهن عليَّ قبل الناس، وأنا أحدث الناس بهن عهدا.
رواه مسلم والترمذي والنسائي.