قدوم مهاجري الحبشة

قال ابن هشام ‏:‏وذكر سفيان بن عيينة عن الأجلح ، عن الشعبي ‏:‏ أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه ، والتزمه وقال ‏:‏ ما أدري بأيهما أنا أسر ‏:‏ بفتح خيبر ، أم بقدوم جعفر‏؟‏

وعن أبي موسى الأشعري، قال: بلغنا مخرج النبي ﷺ ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، أحدهم أبو بردة، والآخر أبو رهم، إما قال في بضع، وإما قال في ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا، فوافقنا النبي ﷺ حين افتتح خيبر، فكان أناس من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة - سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عميس - وهي ممن قدم معنا - على حفصة زوج النبي ﷺ زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء ابنة عميس. قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم. قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله ﷺ منكم. فغضبت وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله ﷺ يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار - أو في أرض - البعداء والبغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسول الله ﷺ، وأيم الله لا أطعم طعاما، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت للنبي ﷺ وأسأله، ووالله لا أكذب، ولا أزيغ، ولا أزيد عليه. فلما جاء النبي ﷺ قالت: يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا، قالت: قال: «فما قلتِ له؟». قالت: قلت: كذا وكذا. قال: «ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان». قالت: فلقد رأيت أبا موسى، وأهل السفينة، يأتوني أرسالا يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم، مما قال لهم النبي ﷺ. قال أبو بردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني. وقال أبو بردة: عن أبي موسى، قال النبي ﷺ: «إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أرَ منازلهم حين نزلوا بالنهار، ومنهم حكيم بن حزام، إذا لقي العدو - أو قال الخيل - قال لهم إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم».

رواه البخاري ومسلم.

قوله: "فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة" أي: أنهم توجهوا بسفينتهم إلى الحبشة، وقد تقدّم أن أبا موسى هاجر من مكة مع من هاجر إلى الحبشة، ولكنه توجه إلى بلاد قومه بني الأشعر، وكانت مما يلي بلاد الحبشة، فأقام بها زمناً يدعو قومه إلى الإسلام، فأسلم معه بضع وخمسون، فهاجر بهم إلى الحبشة، فكانوا بها، حتى قدموا المدينة بعد أن فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم من خيبر.

وعن أبي موسى، قال: قدمنا على النبي ﷺ بعد أن افتتح خيبر، فقسم لنا ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا.

رواه البخاري.

قلت: هذا ظنّ أبي موسى رضي الله عنه، وإلا فقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة، كما سوف يأتي معنا.