غزوات النبي قبل يوم بدر

غزوة الأبواء

قال ابن إسحاق: ثم خرج غازيا في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة. 

قلت: كانت غزوة الأبواء في السنة الثانية للهجرة، على تاريخ عمر.

غزوة ودان وهي أول غزواته عليه الصلاة والسلام، حتى بلغ ودان، وهي غزوة الأبواء، يريد قريشا وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فوادعته فيها بنو ضمرة، وكان الذي وادعه منهم عليهم مخشي بن عمرو الضمري، وكان سيدهم في زمانه ذلك. ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولم يلق كيدا.

قال ابن سعد: وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب. وكان لواء أبيض. واستخلف على المدينة سعد بن عباده. وخرج في المهاجرين. ليس فيهم أنصاري. حتى بلغ الأبواء يعترض لعير قريش فلم يلق كيدا. وهي غزوة ودان. وكلاهما قد ورد. وبينهما ستة أميال وهي أول غزوة غزاها بنفسه. وفي هذه الغزوة وادع مخشي بن عمرو الضمري. وكان سيدهم في زمانه. على أن لا يغزو بني ضمرة ولا يغزوه. ولا يكثروا عليه جمعا. ولا يعينوا عدوا. وكتب بينه وبينهم كتابا .. ثم انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة.

قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مقامه ذلك بالمدينة، عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز، بأسفل ثنية المرة، فلقي بها جمعا عظيما من قريش، فلم يكن بينهم قتال، إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمي يومئذ بسهم، فكان أول سهم رمي به في الإسلام. ثم انصرف القوم عن القوم، وللمسلمين حامية. وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهراني، حليف بني زهرة، وعتبة بن غزوان ابن جابر المازني، حليف بني نوفل بن عبد مناف، وكانا مسلمين، ولكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار. وكان على القوم عكرمة بن أبي جهل. 

قال ابن هشام: حدثني ابن أبي عمرو بن العلاء، عن أبي عمرو المدني: أنه كان عليهم مكرز بن حفص بن الأخيف، أحد بني معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر.

قال ابن إسحاق: فكانت راية عبيدة بن الحارث- فيما بلغني- أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام، لأحد من المسلمين. وبعض العلماء يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه حين أقبل من غزوة الأبواء، قبل أن يصل إلى المدينة.

قال ابن إسحاق: وبعث في مقامه ذلك، حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، إلى سيف البحر، من ناحية العيص، في ثلاثين راكبا من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد. فلقي أبا جهل بن هشام بذلك الساحل في ثلاث مائة راكب من أهل مكة. فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني. وكان موادعا للفريقين جميعا، فانصرف بعض القوم عن بعض، ولم يكن بينهم قتال. وبعض الناس يقول: كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين. وذلك أن بعثه وبعث عبيدة كانا معا، فشبه ذلك على الناس.

قلت: وقوله: "وبعث في مقامه ذلك" أي: إقامته في المدينة، بعد غزوة الأبواء.


غزوة بواط

قال ابن إسحاق: قال ابن إسحاق: ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول يريد قريشا.

قال ابن هشام: واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون.

قال ابن إسحاق: حتى بلغ بواط، من ناحية رضوى، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا.

قال ابن سعد: ثم غزوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بواط في شهر ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا من مهاجره. وحمل لواءه سعد بن أبي وقاص. وكان لواء أبيض. واستخلف على المدينة سعد بن معاذ. وخرج في مائتين من أصحابه يعترض لعير قريش فيها أمية بن خلف الجمحي ومائة رجل من قريش وألفان وخمسمائة بعير. فبلغ بواط. وهي جبال من جبال جهينة من ناحية رضوى. وهي قريب من ذي خشب مما يلي طريق الشام .. فلم يلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيدا فرجع إلى المدينة.


غزوة ذي لعشيرة

ثم غزوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذا العشيرة في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهرا من مهاجره. وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب. وكان لواء أبيض. واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي. وخرج في خمسين ومائة. ويقال في مائتين من المهاجرين ممن انتدب. ولم يكره أحدا على الخروج. وخرجوا على ثلاثين بعيرا يعتقبونها. خرج يعترض لعير قريش حين أبدأت إلى الشام. وكان قد جاءه الخبر بفصولها من مكة فيها أموال قريش. فبلغ ذا العشيرة. وهي لبني مدلج بناحية ينبع. وبين ينبع والمدينة تسعة برد. فوجد العير التي خرج لها قد مضت قبل ذلك بأيام. وهي العير التي خرج لها أيضا يريدها حين رجعت من الشام فساحلت على البحر. وبلغ قريشا خبرها فخرجوا يمنعونها. فلقوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببدر فواقعهم وقتل منهم من قتل. وبذي العشيرة كنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب أبا تراب. وذلك أنه رآه نائما متمرغا في البوغاء فقال:، اجلس. أبا تراب!، فجلس. وفي هذه الغزوة وادع بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا.


غزوة بدر الصغرى

قال ابن إسحاق: ولم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين قدم من غزوة العشيرة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر، حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه.

قال ابن هشام: واستعمل على المدينة زيد بن حارثة.

قال ابن إسحاق: حتى بلغ واديا، يقال له: سفوان، من ناحية بدر، وفاته كرز بن جابر، فلم يدركه، وهي غزوة بدر الأولى. ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأقام بها بقية جمادى الآخرة ورجبا وشعبان.

قال ابن سعد: وحمل لواءه علي بن أبي طالب. وكان لواء أبيض.


غزوة نخلة

قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي في رجب، مقفله من بدر الأولى، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، فيمضي لما أمره به، ولا يستكره من أصحابه أحدا. وكان أصحاب عبد الله بن جحش من المهاجرين. ثم من بني عبد شمس بن عبد مناف: أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، ومن حلفائهم: عبد الله ابن جحش، وهو أمير القوم، وعكاشة بن محصن بن حرثان، أحد بني أسد ابن خزيمة، حليف لهم. ومن بني نوفل بن عبد مناف: عتبة بن غزوان بن جابر، حليف لهم. ومن بني زهرة بن كلاب: سعد بن أبي وقاص. ومن بني عدي بن كعب عامر بن ربيعة، حليف لهم من عنز بن وائل، وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع، أحد بني تميم، حليف لهم، وخالد بن البكير، أحد بني سعد بن ليث، حليف لهم. ومن بني الحارث بن فهر: سهيل بن بيضاء. فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب، فنظر فيه فإذا فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة، بين مكة والطائف، فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم. فلما نظر عبد الله بن جحش في الكتاب، قال: سمعا وطاعة، ثم قال لأصحابه: قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة، أرصد بها قريشا، حتى آتيه منهم بخبر، وقد نهاني أن أستكره أحدا منكم. فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضى ومضى معه أصحابه، لم يتخلف عنه منهم أحد. وسلك على الحجاز، حتى إذا كان بمعدن، فوق الفرع، يقال له: بحران، أضل سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما، كانا يعتقبانه. فتخلفا عليه في طلبه. ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة، فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما، وتجارة من تجارة قريش، فيها عمرو ابن الحضرمي.

قال ابن هشام: واسم الحضرمي: عبد الله بن عباد، ويقال: مالك ابن عباد، أحد الصدف، واسم الصدف: عمرو بن مالك، أحد السكون بن أشرس بن كندة، ويقال: كندي.

قال ابن إسحاق: وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وأخوه نوفل بن عبد الله، المخزوميان، والحكم بن كيسان، مولى هشام بن المغيرة. فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم، فأشرف لهم عكاشة بن محصن، وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه أمنوا، وقالوا عمار، لا بأس عليكم منهم. وتشاور القوم فيهم وذلك في آخر يوم من رجب فقال القوم والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم، فليمتنعن منكم به ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فتردد القوم، وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا أنفسهم عليهم، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم، وأخذ ما معهم. فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله، والحكم ابن كيسان، وأفلت القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم. وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير وبالأسيرين، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة.


وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش: أن عبد الله قال لأصحابه: إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمتا الخمس وذلك قبل أن يفرض الله تعالى الخمس من المغانم- فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس العير، وقسم سائرها بين أصحابه.

قال ابن إسحاق: فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، قال: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام. فوقف العير والأسيرين. وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط في أيدي القوم، وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا. وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال، فقال من يرد عليهم من المسلمين، ممن كان بمكة: إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان. وقالت يهود- تفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم- عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله، عمرو، عمرت الحرب، والحضرمي، حضرت الحرب، وواقد بن عبد الله، وقدت الحرب. فجعل الله ذلك عليهم لا لهم. فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل قتال فيه كبير، وصد عن سبيل الله وكفر به، والمسجد الحرام، وإخراج أهله منه أكبر عند الله ٢: ٢١٧ أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به، وعن المسجد الحرام، وإخراجكم منه وأنتم أهله، أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم والفتنة أكبر من القتل ٢: ٢١٧: أي قد كانوا يفتنون المسلم في دينه، حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه، فذلك أكبر عند الله من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ٢: ٢١٧: أي ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه، غير تائبين ولا نازعين. فلما نزل القرآن بهذا من الأمر، وفرج الله تعالى عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين، وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم ابن كيسان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نفديكموها حتى يقدم صاحبانا- يعني سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان- فإنا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما، نقتل صاحبيكم. فقدم سعد وعتبة، فأفداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم. فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه، وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا. وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة، فمات بها كافرا. فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن، طمعوا في الأجر، فقالوا: يا رسول الله: أنطمع، أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين؟ فأنزل الله عز وجل فيهم: إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله، والله غفور رحيم ٢: ٢١٨، فوضعهم الله عز وجل من ذلك على أعظم الرجاء.

والحديث في هذا عن الزهري ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير.

قال ابن إسحاق: وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش: أن الله عز وجل قسم الفيء حين أحله، فجعل أربعة أخماس لمن أفاءه الله، وخمسا إلى الله ورسوله، فوقع على ما كان عبد الله بن جحش صنع في تلك العير.

قال ابن هشام: وهي أول غنيمة غنمها المسلمون. وعمرو بن الحضرمي أول من قتله المسلمون، وعثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان أول من أسر المسلمون.