قال ابن إسحاق: وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يبق بمكة منهم أحد، إلا مفتون أو محبوس، ولم يوعب أهل هجرة من مكة بأهليهم وأموالهم إلى الله تبارك وتعالى وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أهل دور مُسمَّون: بنو مظعون من بني جمح، وبنو جحش بن رئاب، حلفاء بني أمية، وبنو البكير، من بني سعد بن ليث، حلفاء بني عدي بن كعب، فإن دورهم غلقت بمكة هجرة، ليس فيها ساكن . ولما خرج بنو جحش بن رئاب من دارهم، عدا عليها أبو سفيان بن حرب، فباعها من عمرو بن علقمة، أخي بني عامر بن لؤي، فلما بلغ بني جحش ما صنع أبو سفيان بدارهم، ذكر ذلك عبدالله بن جحش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ترضى يا عبدالله أن يعطيك الله بها دارا خيرا منها في الجنة ؟ قال: بلى، قال: فذلك لك . فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، كلمه أبو أحمد في دارهم، فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس لأبي أحمد: يا أبا أحمد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن ترجعوا في شيء من أموالكم أُصيب منكم في الله عز وجل، فأمسك عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول، إلى صفر من السنة الداخلة، حتى بُني له فيها مسجده ومساكنه، واستجمع له إسلام هذا الحي من الأنصار، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها، إلا ما كان من خطمة، وواقف، ووائل، وأمية، وتلك أوس الله، وهم حي من الأوس، فإنهم أقاموا على شركهم.