قسمة غنائم حنين وما جرى من الأنصار

قال ابن إسحاق: ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سبايا حنين إلى أهلها، ركب واتبعه الناس يقولون: يا رسول الله، اقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم، حتى ألجئوه إلى شجرة، فاختطفت عنه رداءه، فقال: أدّوا عليَّ ردائي أيها الناس، فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً، ثم قام إلى جنب بعير، فأخذ وبرة من سنامه، فجعلها بين إصبعيه، ثم رفعها ثم قال: أيها الناس، والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخِيَاط والمِخْيَط، فإن الغلول يكون على أهله عاراً وناراً وشناراً يوم القيامة، قال: فجاء رجل من الأنصار بكبة من خيط شعر، فقال: يا رسول الله أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة بعير لي دبر، فقال ‏:‏أما نصيبي منها فلك قال: أما إذا بلغت هذا فلا حاجة لي بها، ثم طرحها من يده.

قال ابن هشام ‏:‏وذكر زيد بن أسلم عن أبيه: أن عقيل بن أبي طالب دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت شيبة بن ربيعة، وسيفه متلطخ دماً، فقالت: إني قد عرفت أنك قد قاتلت، فماذا أصبت من غنائم المشركين؟ فقال: دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك، فدفعها إليها، فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شيئا فليرده، حتى الخياط والمخيط، فرجع عقيل، فقال: ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت، فأخذها فألقاها في الغنائم.

قال ابن إسحاق: وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم، وكانوا أشرافاً من أشراف الناس، يتألفهم ويتألف بهم قومهم، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير، وأعطى حكيم بن حزام مائة بعير، وأعطى الحارث بن الحارث بن كلدة أخا بني عبدالدار مائة بعير.

قال ابن إسحاق: وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير، وأعطى سهيل بن عمرو مائة بعير، وأعطى حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس مائة بعير، وأعطى العلاء بن جارية الثقفي حليف بني زهرة مائة بعير، وأعطى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر مائة بعير، وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة بعير، وأعطى مالك بن عوف النصري مائة بعير، وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير، فهؤلاء أصحاب المئين، وأعطى دون المائة رجالا من قريش، منهم مخرمة بن نوفل الزهري، وعمير بن وهب الجمحي، وهشام بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي، لا أحفظ ما أعطاهم، وقد عرفت أنها دون المائة، وأعطى سعيد بن يربوع بن عنكشة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل، وأعطى السهمي خمسين من الإبل.

قال ابن هشام ‏:‏واسمه عدي بن قيس.

قال ابن هشام ‏:‏وأعطى عباس بن مرداس أباعر، فسخطها فعاتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عباس بن مرداس يعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏

كانت نهابا تلافيتها * بكري على المهر في الأجرع

وإيقاظي القوم أن يرقدوا * إذا هجع الناس لم أهجع

فأصبح نهبي ونهب العبيد * بين عيينة والأقرع

وقد كنت في الحرب ذا تدْرَإ * فلم أعط شيئا ولم أمنع

إلا أفائل أعكيتها * عديد قوائمها الأربع

وما كان حصن ولا حابس * يفوقان شيخي في المجتمع

وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع

قال ابن إسحاق: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فاقطعوا عني لسانه، فأعطوه حتى رضي، فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن إسحاق: وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن مقسم أبي القاسم، مولى عبدالله بن الحارث بن نوفل، قال: خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي، حتى أتينا عبدالله بن عمرو بن العاص وهو يطوف بالبيت معلقا نعله بيده، فقلنا له هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين؟ قال: نعم، جاء رجل من بني تميم، يقال له ذو الخويصرة، فوقف عليه وهو يعطي الناس، فقال: يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل فكيف رأيت؟ فقال: لم أرك عدلت، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون ‏!‏ فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ألا أقتله؟ فقال: لا دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين، حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل، فلا يوجد شيء، ثم في القدح، فلا يوجد شيء، ثم في القدح، فلا يوجد شيء ثم في الفوق، فلا يوجد شيء سبق الفرث والدم.

قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر بمثل حديث أبي عبيدة، وسماه ذا الخويصرة.

قال ابن إسحاق: وحدثني عبدالله بن أبي نجيح عن أبيه، بمثل ذلك.

قال ابن هشام ‏:‏حدثني زياد بن عبدالله، قال: حدثنا ابن إسحاق قال: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن أبي سعيد الخدري قال: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا، في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم: لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء، قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي، قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، قال: فخرج سعد، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة، فجاء رجال من المهاجرين فتركهم، فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا له أتاه سعد، فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: يا معشر الأنصار، ما قَالةٌ بلغتني عنكم، وجِدَةٌ وجدتموها عليَّ في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألَّف الله بين قلوبكم ‏!‏ قالوا: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل، ثم قال: ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟ قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ الله ولرسوله المنّ والفضل، قال صلى الله عليه وسلم: أما والله لو شئتم لقلتم، فلصَدَقْتُم ولصُدِّقْتُم: أتيتنا مُكَذَّباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألَّفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار، أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا رضينا برسول الله قسماً وحظاً ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرقوا.