قال ابن إسحاق: ثم أتاه وفد هوازن بالجعرانة، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء، ومن الإبل والشاء ما لا يدري ما عدته.
قال ابن إسحاق: فحدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو: أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا، فقالوا: يا رسول الله إنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا، من الله عليك، قال: وقام رجل من هوازن، ثم أحد بني سعد بن بكر، يقال له زهير، يكنى أبا صرد، فقال: يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، ولو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر أو للنعمان بن المنذر، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به، رجونا عطفه وعائدته علينا، وأنت خير المكفولين.
قال ابن إسحاق: فحدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبدالله بن عمرو، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم ؟ فقالوا: يا رسول الله خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا، بل ترد إلينا نساءنا وأبناءنا، فهو أحب إلينا، فقال لهم: أما ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم، وإذا ما أنا صليت الظهر، بالناس فقوموا: فقولوا إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا، فسأعطيكم عند ذلك، وأسأل لكم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر، قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأما ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم، فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا، وقال عيينة بن حصن: أما أنا وبنو فزارة فلا، وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا، فقالت بنو سليم: بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يقول: عباس بن مرداس لبني سليم وهنتموني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي، فله بكل إنسان ست فرائض من أول سبي أصيبه، فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم.
قال ابن إسحاق: وحدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه جارية يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية بن نصر ابن سعد بن بكر، وأعطى عثمان بن عفان جارية، يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان، وأعطى عمر بن الخطاب جارية فوهبها لعبدالله بن عمر ابنه.
قال ابن إسحاق: فحدثني نافع مولى عبدالله بن عمر، عن عبدالله بن عمر، قال: بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح، ليصلحوا لي منها ويهيئوها، حتى أطوف بالبيت، ثم آتيهم وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها، قال: فخرجت من المسجد حين فرغت، فإذا الناس يشتدون، فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا، فقلت: تلكم صاحبتكم في بني جمح، فاذهبوا فخذوها، فذهبوا إليها فأخذوها.
قال ابن إسحاق: وأما عيينة بن حصن فأخذ عجوزا من عجائز هوازن، وقال حين أخذها: أرى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا، وعسى أن يعظم فداؤها، فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض، أبى أن يردها، فقال له زهير أبو صرد: خذها عنك فوالله ما فوها ببارد، ولا ثديها بناهد، ولا بطنها بوالد، ولا زوجها بواجد، ولا درها بماكد، فردها بست فرائض حين قال له زهير ما قال، فزعموا أن عيينة لقي الأقرع بن حابس، فشكا إليه ذلك، فقال: إنك والله ما أخذتها بيضاء غزيرة ولا نصفاء وثيرة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن، وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل؟ فقالوا: هو بالطائف مع ثقيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبروا مالكا أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل.
فأتى مالك بذلك فخرج إليه من الطائف وقد كان مالك خاف ثقيفا على نفسه أن يعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال، فيحبسوه، فأمر براحلته فهيئت له، وأمر بفرس له، فأتى به إلى الطائف، فخرج ليلاً، فجلس على فرسه، فركضه حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس، فركبها فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة أو بمكة، فرد عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل، وأسلم فحسن إسلامه، فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وتلك القبائل: ثمالة، وسلمة، وفهم، فكان يقاتل بهم ثقيفا، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه، حتى ضيق عليهم.