عمرة القضاء وزواج النبي (ص) من ميمونة بنت الحارث

قال ابن إسحاق: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من خيبر، أقام بها شهر ربيع وجماديين ورجب وشعبان ورمضان وشوالاً، يبعث فيما بين ذلك من غزوة وسراياه صلى الله عليه وسلم، ثم خرج في ذي القعدة في الشهر الذي صده فيه المشركون معتمراً عمرة القضاء، مكان عمرته التي صدوه عنها.

قال ابن هشام: واستعمل على المدينة عويف بن الأضبط الديلي، ويقال لها عمرة القصاص، لأنهم صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة في الشهر الحرام من سنة ست، فاقتص رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، فدخل مكة في ذي القعدة، في الشهر الحرام الذي صدوه فيه، من سنة سبع.

قال ابن إسحاق: وخرج معه المسلمون ممن كان صد معه في عمرته تلك، وهي سنة سبع، فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه، وتحدثت قريش بينها أن محمداً وأصحابه في عسرة وجهد وشدة.

قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم، عن ابن عباس، قال: صَفَّوا له عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه، وأخرج عضده اليمنى، ثم قال: رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة، ثم استلم الركن، وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه، حتى إذا واراه البيت منهم، واستلم الركن اليماني، مشى حتى يستلم الركن الأسود، ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف، ومشى سائرها، فكان ابن عباس يقول: كان الناس يظنون أنها ليست عليهم، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صنعها لهذا الحي من قريش الذي بلغه عنهم، حتى إذا حج حجة الوداع فلزمها، فمضت السنة بها.

قال ابن إسحاق: وحدثني أبان بن صالح وعبدالله بن أبي نجيح، عن عطاء بن أبي رباح ومجاهد أبي الحجاج، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك وهو حرام، وكان الذي زوجه إياها العباس بن عبدالمطلب.

ورواه البخاري ومسلم عن ابن عبّاس.

قلت: قوله ابن عباس أن النبي تزوج ميمونة وهو حرام وهمٌ منه رضي الله عنه، والصواب أنه لم يتزوّجها إلا بعد أن أحلّ من إحرامه.

عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تزوّج ميمونة حَلالا، وبنى بها حلالا، وكنت الرسول بينهما.

رواه مسلم.

وعن يزيد بن الأصم قال: حدثتني ميمونة بنت الحارث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تزوّجها حلالا، قال: وكانت خالتي وخالة ابن عبّاس.

رواه أحمد.

وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَنْكِح المُحرِم ولا يُنْكَح ولا يخطُب.

رواه مسلم.

فهذه ثلاث أدلة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يتزوج ميمونة، إلّا وقد حلّ من إحرامه.

قال ابن هشام: وكانت جعلت أمرها إلى أختها أم الفضل، وكانت أم الفضل تحت العباس، فجعلت أم الفضل أمرها إلى العباس، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم.

قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثاً، فأتاه حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل، في نفر من قريش، في اليوم الثالث، وكانت قريش قد وكلته بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فقالوا له: إنه قد انقضى أجلك، فاخرج عنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم، وصنعنا لكم طعاماً فحضرتموه قالوا: لا حاجة لنا في طعامك، فاخرج عنا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة، حتى أتاه بها بسَرِف فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هنالك، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ذي الحجة، فأقام بها بقية ذي الحجة، وولي تلك الحجة المشركون، والمحرم وصفرا وشهري ربيع، وبعث في جمادى الأولى بعثه إلى الشام الذين أصيبوا بمؤتة.


- بعث النبي الرسل إلى الأفاق يدعون إلى الإسلام

قال ابن هشام: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى الملوك رسلا من أصحابه وكتب معهم إليهم يدعوهم إلى الإسلام.

قال ابن هشام ‏:‏حدثني من أثق به عن أبي بكر الهذلي قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه ذات يوم بعد عمرته التي صد عنها يوم الحديبية، فقال: أيها الناس، إن الله قد بعثني رحمة وكافة، فلا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم، فقال أصحابه: وكيف اختلف الحواريون يا رسول الله؟ قال: دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه، فأما من بعثه مبعثاً قريباً فرضي وسلم، وأما من بعثه مبعثاً بعيداً فكره وجهه وتثاقل، فشكا ذلك عيسى إلى الله، فأصبح المتثاقلون وكل واحد منهم يتكلم بلغة الأمة التي بعث إليها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً من أصحابه، وكتب معهم كتباً إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام، فبعث دحية بن خليفة الكلبي، إلى قيصر ملك الروم، وبعث عبدالله بن حذافة السهمي، إلى كسرى ملك الفرس، وبعث عمرو بن أمية الضمري، إلى النجاشي ملك الحبشة، وبعث حاطب بن أبي بلتعة، إلى المقوقس ملك الإسكندرية، وبعث عمرو بن العاص السهمي، إلى جيفر وعياد ابني الجلندي الأزديين ملكي عُمان، وبعث سليط بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي، إلى ثمامة بن أثال، وهوذة بن علي الحنفيين، ملكي اليمامة، وبعث العلاء بن الحضرمي، إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين، وبعث شجاع بن وهب الأسدي، إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام.

قال ابن هشام ‏:‏بعث شجاع بن وهب، إلى جبلة بن الأيهم الغساني، وبعث المهاجر ابن أبي أمية المخزومي، إلى الحارث بن عبد كلال الحميري، ملك اليمن.