قال ابن إسحاق: ثم إن الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاءه منه، وأن يبادي الناس بأمره، وأن يدعو إليه؛ وكان بين ما أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين - فيما بلغني - من مبعثه؛ ثم قال الله تعالى له: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين (94)} [الحجر] وقال تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)} [الشعراء].
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء، فصعد إلى الجبل فنادى: يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش، فقال: أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، أكنتم تصدقوني؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا تبا لك، فأنزل الله عز وجل: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد] إلى آخرها.
رواه البخاري.
وفي رواية: لما نزلت: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي -لبطون قريش- حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم؛ أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟! فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)}.
رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قال: يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم؛ لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا.
رواه البخاري ومسلم.