إسلام زيد بن حارثة مولى رسول الله (ص)

قال ابن إسحاق: ثم أسلم زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزى ابن امرئ القيس الكلبي، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أول ذكر أسلم وصلى بعد علي بن أبي طالب.

قلت: أي: أن عليّاً أسلم وصلّى قبله، وزيد كان أول من أسلم وصلى بعد عليّ بن أبي طالب من الرجال.

قال ابن هشام: زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن بكر ابن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة.

قال ابن إسحاق: وكان حكيم بن حزام بن خويلد قدم من الشام برقيق، فيهم زيد بن حارثة وصيف، فدخلت عليه عمته خديجة بنت خويلد، وهي يومئذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: اختاري يا عمة أي هؤلاء الغلمان شئت فهو لك، فاختارت زيدا فأخذته، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها، فاستوهبه منها، فوهبته له، فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبناه، وذلك قبل أن يوحى إليه، وكان أبوه حارثة قد جزع عليه جزعا شديدا، وبكى عليه حين فقده، ثم قدم عليه وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت فأقم عندي، وإن شئت فانطلق مع أبيك، فقال: بل أقيم عندك. فلم يزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله فصدقه وأسلم، وصلى معه، فلما أنزل الله عز وجل: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب] قال: أنا زيد ابن حارثة.

روى هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبيه، وعن جميل بن مرثد الطائي وغيرهما، قالوا: زارت سعدى أم زيد بن حارثة قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر في الجاهلية على أبيات بني معن، فاحتملوا زيدا وهو غلام يفعة، فأتوا به في سوق عكاظ فعرضوه للبيع، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربعمائة درهم، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهبته له، فحج ناس من كلب، فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه، فانطلقوا فأعلموا أباه، ووصفوا له موضعا، فخرج حارثة وكعب أخوه بفدائه، فقدما مكة، فسألا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقيل: هو في المسجد، فدخلا عليه، فقالا: يا بن عبد المطلب، يا بن سيد قومه، أنتم أهل حرم الله تفكون العاني وتطعمون الأسير، جئناك في ولدنا عبدك، فامنن علينا، وأحسن في فدائه، فإنا سنرفع لك. قال وما ذاك؟ قالوا: زيد بن حارثة. فقال: أو غير ذلك؟ أدعوه فخيروه، فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء. وإن اختارني فو الله ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء قالوا: زدتنا على النَصَف، فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، هذا أبي وهذا عمي، قال: فأنا من قد علمت، وقد رأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما. فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدا، أنت مني بمكان الأب والعم. فقالا: ويحك يا زيد، أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟ قال: نعم، إني قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر، فقال: اشهدوا أن زيدا ابني، يرثني وأرثه، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما، وانصرفا، فدعي زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام".

وعن ‌عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أن زيد بن حارثة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) [الأحزاب]

رواه البخاري.

قلت: ثم إن أخاه جبلة بن حارثة، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن أكرمه الله تعالى بالنبوة، يسأل النبي أن يبعث زيداً معه.

عن أبي إسحاق السبيعي قال: كان جبلة بن حارثة في الحي، فقالوا له: أنت أكبر أم زيد؟ قال: زيد أكبر مني وأنا ولدت قبله، وسأخبركم، إن أمنا كانت من طيئ فماتت، فبقينا في حجر جدنا، فقال عماي لجدنا: نحن أحق بابني أخينا، فقال: خذا جبلة ودعا زيدا، فأخذاني فانطلقا بي، فجاءت خيل من تهامة فأخذت زيدا، فوقع إلى خديجة فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

 وعن أبي عمرو الشيباني قال: أخبرني جبلة بن حارثة قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ابعث معي أخي زيدا. قال: هوذا فإن انطلق لم أمنعه. فقال زيد: لا والله لا أختار عليك أحدا أبدا. قال: فرأيت رأي أخي أفضل من رأيي.