مكر الوليد بن المغيرة

قال مصعب بن عبدالله: هو الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، وأمه صخرة بنت الحارث بن عبد الله بن عبد شمس، من قبيلة بجيلة. وهو والد خالد بن الوليد رضي الله عنه.

قال ابن إسحاق: ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش، وكان ذا سِنِّ فيهم، وقد حضر الموسم فقال لهم: يا معشر قريش، إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأيا واحدا، ولا تختلفوا فيكذِّب بعضكم بعضا، ويرد قولكم بعضه بعضا؛ قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس، فقلْ وأقمْ لنا رأيا نقول به؛ قال: بل أنتم فقولوا أسمعْ؛ قالوا: نقول كاهن؛ قال: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه؛ قالوا: فنقول: مجنون؛ قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه، ولا تخالجه، ولا وسوسته؛ قالوا: فنقول: شاعر؛ قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر؛ قالوا: فنقول: ساحر؛ قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السُحَّار وسحرهم، فما هو بنفثهم ولا عقدهم؛ قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عُرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر، جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته. فتفرقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره. فأنزل الله تعالى في الوليد بن المغيرة و في ذلك من قوله: {‏‏ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا ۖ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16)} أي: خصيما.

قال ابن هشام: عنيد: معاند مخالف.

{سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22)}

قال ابن هشام: بسر: كره وجهه. ‏‏

{ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)} [المدَّثِّر].

قال ابن إسحاق: وأنزل الله تعالى: في النفر الذين كانوا معه يصنفون القول في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيما جاء به من الله تعالى: ‏‏{كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحِجر]‏‏.

قال ابن هشام: واحدة العضين: عضة، يقول: عضوه: فرقوه.

قال ابن إسحاق: فجعل أولئك النفر يقولون ذلك في رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن لقوا من الناس، وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها.