فرض الصلاة والزكاة

قال ابن إسحاق: وحدثني صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها قالت: افترضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما افترضت عليه ركعتين ركعتين، كل صلاة، ثم إن الله تعالى أتمها في الحضر أربعا، وأقرها في السفر على فرضها الأول ركعتين.

قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم: أن الصلاة حين افترضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتاه جبريل وهو بأعلى مكة، فهمز له بعقبه في ناحية الوادي، فانفجرت منه عين، فتوضأ جبريل عليه السلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، ليريه كيف الطهور للصلاة، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل توضأ، ثم قام به جبريل فصلى به، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاته، ثم انصرف جبريل عليه السلام. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة، فتوضأ لها ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل فتوضأت كما توضأ لها رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم صلى بها رسول الله عليه الصلاة والسلام كما صلى به جبريل فصلت بصلاته.

قال ابن إسحاق: وحدثني عتبة بن مسلم، مولى بني تميم، عن نافع بن جبير بن مطعم، وكان نافع كثير الرواية، عن ابن عباس قال: لما افترضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام، فصلى به الظهر حين مالت الشمس، ثم صلى به العصر حين كان ظله مثله، ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس، ثم صلى به العشاء الآخرة حين ذهب الشفق، ثم صلى به الصبح حين طلع الفجر، ثم جاءه فصلى به الظهر من غد حين كان ظله مثله، ثم صلى به العصر حين كان ظله مثليه، ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس لوقتها بالأمس، ثم صلى به العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل الأول، ثم صلى به الصبح مسفرا غير مشرق، ثم قال: يا محمد، الصلاة فيما بين صلاتك اليوم وصلاتك بالأمس.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس، وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله مثله، وصلى بي يعني المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر. ثم التفت إلي فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين".

رواه أبو داود والترمذي.

قلت: وفرضت الزكاة بعد فرض الصلاة، إلّا أنها فرضت أوّل مرة في مكة على سبيل الإجمال، وقد دلت على ذلك آيات من القرآن نزلت في مكة، وكان ذلك موكولا لما تجود به الأنفس، إلا أن تفصيل الزكاة ومقدارها لم يفرض إلّا بعد فرض صوم شهر رمضان، وذلك بعد الهجرة إلى المدينة، في السنة الثانية، وقيل في السنة التاسعة للهجرة النبويّة، والله أعلم.