أشدّ يوم لقيه النبي (ص)

وعند البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبدياليل بن عبدكلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا.

قلت: وبعض المؤرخين، يزعم أن ابن عبدياليل هذا اسمه كِنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عُمير بن عوف بن عُقْدة بن غِيرَة بن عوف، وأنه كان من سادات ثقيف، وأن النبي (ص) إنما عرض نفسه عليه لما قدم الطائف، وهذا كله خلاف الحديث، فإن النبي ذكر أن اسم أبي عبدياليل هو عبدكلال، وليس عمرو، وأنه من قوم عائشة رضي الله عنها، أي: من قبيلة قريش، وليس من قبيلة ثقيف، وأنه قابله في يوم أسماه النبي (ص) يوم العقبة، وعرض نفسه عليه، ليقوم بنصرته وتأييده، فأعرض عنه، مما دفعه إلى الخروج من مكة، فلم يستفق إلّا وهو بقرن الثعالب، وهو موضع بين مكة والطائف، في صحراء تدعى البوباة، وتعرف اليوم باسم: البُهيتاء، وبها قرية صغيرة تعرف بالسيل الكبير، وهناك أرسل الله تعالى له ملك الجِبال، ليأمره في أهل مكة بما يشاء، تطييباً لخاطر النبي صلى الله عليه وسلم.