قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم: أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره، فلما قدم مُآب من أرض البلقاء، رآهم يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له: هذه أصنام نعبدها، فنستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: أفلا تعطونني منها صنما، فأسير به إلى أرض العرب، فيعبدوه؟ فأعطوه صنما يقال له هُبل، فقدم به مكة، فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه.
وقوله: "فأعطوه صنماً يقال له: هُبَل" يظهر أنه من أوهام الرواة وتخليطهم، والراجح، أن الأصنام التي قدم بها عمرو بن لُحي، هي: اللات والعزّى ومناة. لأن هذه الأصنام، هي التي كانت معروفة في الشام في ذلك الوقت، وأما هُبل، فلم يُعرف إلا في الحجاز، فيظهر أن هُبل صنم ابتدعته كهنة قبيلة كِنانة، بعد أن فشى الشرك في العرب.
وهُبَل، تعني: العظيم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعي: "يا أكثم، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به، ولا بك منه". فقال أكثم: عسى أن يضرني شبهه يا رسول الله؟ قال: "لا، إنك مؤمن وهو كافر، إنه كان أول من غير دين إسماعيل، فنصب الأوثان، وبَحَر البحيرة، وسيَّب السائبة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي".
رواه ابن هشام في السيرة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة".
رواه البخاري.
وفي رواية قال: "رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي، يجر قُصبَه في النار، وكان أول من سيَّب السوائب".
رواه البخاري.
وقوله: "قُصبَه" أي: الأمعاء الغليظة.
ورواه مسلم، دون قوله: "ابن لحي".
وفي رواية قال: "رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف، أبا بني كعب هؤلاء، يجر قصبه في النار".
رواه مسلم.
قلت: فهذه نصوص صحيحة صريحة في أن أول من غيّر دين إبراهيم، هو عمرو بن عامر بن لحي بن قمعة بن خندف بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان، وأن خزاعة هم ولده.
وعن عبدالله بن عباس أنه قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد : أما ود : فكانت لكلب بدومة الجندل ; وأما سواع : فكانت لهذيل ، وأما يغوث فكانت لمراد ، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ ، أما يعوق : فكانت لهمدان ، وأما نسر : فكانت لحمير لآل ذي كلاع.
رواه البخاري.
قلت: وتفسير ذلك، أن أصنام قوم نوح، لما وقع الطوفان، تدفَّنت في بطحاء مكة، فلما وقع الشرك في العرب، بمكة وتهامة، أوحت شياطين الجِنّ إلى أوليائهم من شياطين الإنس، ممن قد تعلَّم الكِهانة والشعوذة، أن هناك أصناماً مدفونة ببطحاء مكّة، وأمروهم باستخراجها، وأخبروهم بأسمائها، وأمروهم بان يبعثوا إلى كل ناحية بصنم، ليقع الناس في الشرك، وينتشر بينهم، وتعبد الأوثان من دون الله تعالى. وشياطين الجِنّ، إنما عرفت بوجود هذه الأصنام، وبأسمائها، من أبيهم إبليس لعنه الله، لأنه هو من أمرهم بأن يوحوا لشياطين الإنس بذلك، وأمرهم بما أمروا به شياطين الإنس.